قال: «لا أخفي عليك شيئا اعرفه من هذا القبيل فقد جاءنا هذا الأمير يوم سفر أبى سفيان ولحظت انه سار في ضيافته فلما خرجت القافلة أرسلت معها بعض خدمة الخان ليشيعوها لعلها تحتاج إلى إرشاد في اختيار بعض الطرق دون غيرها وكان مع القافلة جواد عثر عليه شاردا في بعض السهول أثناء مجيئهم إلى الشام فلما همت القافلة بالمسير قدم أبو سفيان ذلك الجواد للأمير عبد الله ليركبه فلما رآه هذا عرفه انه جواد ولد له كان قد فارقه في بعض جهات الزرقاء فالتبس عليه أمر الجواد وفراره واحكي حكايته هذه لأبي سفيان فرافقه هذا مع بعض رجاله إلى المكان الذي رأوا الفرس فيه وبلغني أنهم عثروا على بقايا فرس آخر تحت شجرة وأشياء أخرى استدلوا منها على ذهاب الغلام فريسة السباع فبكى ذلك المسكين بكاء مرا وندب ابنه وبالغ أبو سفيان بتعزيته فلم يتعز.»
وكان سلمان أثناء هذه الحكاية مصغيا وقلبه يخفق فلما وصل الخاناتي إلى هذا الحد أحس سلمان بقشعريرة وقف لها شعره وقال للرجل: «وماذا تم له بعد ذلك.»
قال: «سمعت انه لما تحقق موت ابنه لم يعد يحلو له الذهاب إلى منزله في بصرى فسار مع القافلة إلى الحجاز.»
فقال سلمان: «وهل تحققت انه سار إلى الحجاز.»
قال: «هذا ما سمعته ولا أدري إذا كان قد عدل عنها بعد ذلك.»
فقال سلمان وقد ظهرت البغتة على وجهه: «أني اعترفت لك بأهمية هذه الحكاية عندي واشكر الله لنزولي عليك حتى سمعت هذا الحديث منك ولكنني أرجو أن تزيدني إيضاحا ما استطعت.»
فقال الخاناتى: «لقد رأيت من اهتمامك وظهور البغتة على وجهك ما حرك في الاهتمام لمعرفة مصير هذا الأمير فلندع المكاري الذي قص الخبر علي بعد عودته لعله يزيدنا إيضاحا.» قال ذلك ونادى المكاري وكان مشتغلا ببعض شؤون الخان فجاء فسأله عما يعلمه من تفاصيل حكاية عبد الله.
فاحكى القصة كما قالها الخاناتى مع بعض التفصيل حتى انتهى إلى مسير القافلة بعد الرجوع من مسبعة الزرقاء فقال: «رأيت ذلك الأمير عائدا على قدميه يحمل سيف ابنه وعباءته وكان قد عثر عليهما عند ضفة غدير هناك فاستأنس بهما واشتم رائحة ابنه منهما وأما الجواد فكان مسوقا وراءه كئيبا كأنه عام بمصير صاحبه فلما وصلوا إلى الطريق دعاه أبو سفيان للمسير معه إلى الحجاز أو أن يوصله إلى منزله في بصرى فقال انه يريد العود إلى بصرى ثم تردد في الذهاب إلى الحجاز ولكنه رافقه وساروا جميعا وعدنا نحن ولا نعلم ما تم له بعد ذلك.»
فقال سلمان: «ألم تسمعه يذكر عمان وعزمه المسير إليها.»
قال: «لا أذكر أني سمعته يقول شيئا من هذا القبيل.»
Halaman tidak diketahui