Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab

Mohamed Nasr El-Din Mohamed Ouida d. Unknown
82

Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

Genre-genre

لله در أقوامٍ فارقوا بهجة الدنيا بعين قالية، ونظروا إلى ثواب الآخرة بعين راضية، واشتروا الباقية بالفانية، فنعم ما اتجروا ربحوا الدارين، وجمعوا الخيرين، واستكملوا الفضلين، بلغوا المنازل، بصبر أيام قلائل، قطعوا الأيام باليسير، حذار يوم قمطرير، وسارعوا في المهلة، وبادروا خوف حوادث الساعات، ولم يركبوا أيامهم باللهو واللذات، بل خاضوا الغمرات للباقيات الصالحات، مسارعين الى الخيرات، منقطعين عن اللهوات، أحلى الناس منطقًا ومذاقًا، وأوفى الناس عهدًا وميثاقًا، سراج العباد، ومنار البلاد، وصاروا أئمة الهدى وأعلام التقى ومصابيح الدجى، من حلية الأولياء وأعلام النبلاء، من الأضواء اللامعة والنجوم الساطعة. وأعلام التقى ومصابيح الدجى، من حلية الأولياء وأعلام النبلاء، ومعادن الرحمة، ومنابع الحكمة، وقوام الأمة، نظروا إلى ثواب الله ﷿ بأنفس تائقة، وعيون رامقة، وأعمال موافقة، فحلوا عن الدنيا مطي رحالهم، وقطعوا منها حبال آمالهم، صانوا أبدانهم عن المحارم، وكفوا أيديهم عن ألوان المطاعم، وهربوا بأنفسهم عن المآثم، هم الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا. لله در أقوامٍ أخلاهم الحق من الركون إلى شيء من العروض، وعصمهم من الافتتان بها عن الفروض. وجعلهم قدوة للمتجردين من الفقراء، كما جعل من تقدم ذكرهم أسوة للعارفين من الحكماء. لا يأوون إلى أهل ولا مال، ولا يلهيهم عن ذكر الله تجارة ولا حال، لم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا، ولا يفرحون إلا بما أيدوا به من العقبى. كانت أفراحهم بمعبودهم ومليكهم وأحزانهم على فوت الاغتنام من أوقاتهم وأورادهم، هم الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع، عن ذكر الله، ولم يأسوا على مافاتهم، ولم يفرحوا بما أتاهم. حماهم مليكهم، عن التمتع بالدنيا والتبسيط فيها لكيلا يبغوا ولا يطغوا، رفضوا الحزن على ما فات، من ذهاب وشتات، والفرح بصاحب نسب إلى بلى ورفات. زوى الله ﷿ عنهم الدنيا، وقبضها ابقاء عليهم وصونًا لهم، لئلا يطغوا، فصاروا في حماه محفوظين من الأثقال، ومحروسين من الأشغال، لا تذلهم الأموال، ولا تتغير عليهم الأحوال، يعزفون عن الاشتغال بالدنيا والإقبال عليها إلى ما هو أليق بحالهم، وأصلح لبالهم، من الاشتغال بالأذكار، وما يعود عليهم من منافع البيان والأنوار، ويعصمون به من المهالك والأخطار، ويستروحون إليه مما يرد من الأماني على الأسرار.

1 / 81