واشرأب قرياقوس إلى سياسة القرية حين بات في بحبوحة. انغمس في تلك البورصة المدمرة؛ فجاءته النكبات من كل فج عميق، وقضى عمره يدعي ويدعى عليه وهو يستعين بالدين على حل مشاكله ...
ورأى أن النحل دخل بلا أكل، فجعل وكده فيه حتى أربى عدد مدينة النحل عنده على ثلاثمائة جرة؛ فكان العسل عنده قناطير في عام الإقبال، وقد أغنى كنائس البلاد عن شراء الشمع العسلي الأوروبي، وإن كان لم يتبرع لكنيسة بشمعة. وإذا سأله وكيل وقف ذلك، أجابه ساخرا: مساكين أولاد الوقف، ناموا أمس بلا عشا! وقفي أكبر من وقفك. ويشير إلى بطنه.
قلما سلم جار لقرياقوس من تعد وعداوة، فهو لا يعرف حده فيقف عنده، والخصومة مع قرياقوس أدت إلى خير إن كان ما ستعلمه خيرا. التجأ أحد ضاربيه إلى مدرسة إكليريكية هربا من السجن، فحمته المدرسة والثوب الإكليريكي في ذلك الزمان، فصار كاهنا، وهاجر ضارب آخر إلى أمريكا فأثرى، وعندما عاد من خطرته الأولى أهدى إلى قرياقوس موسى أميركانيا فقبله ... ثم شمر إلى الغد إلى بعبدا يطلب تنفيذ الحكم. ولكن الوقت كان قد فات، فالأحكام كالبارود يمسي بلا مفعول إذا طال عليه الزمن. •••
بيت قرياقوس شمالي الضيعة، في منبسط جعله قرياقوس جنة؛ كدس الحجارة في آخر عقاره، فقامت هناك رجمة عالية مشمخرة
15
على كتف النهر، كأنها برج داود، وإن كانت لا تتضرع لأجلنا ... وعلى جبهة تلك الرجمة كانت تقوم خيمة قرياقوس صيفا كأنها إحدى قلاع الدردنيل. فتن قرياقوس بصدى النهر والكهوف، فكان تارة «يهد على الزير»
16
بأعلى صوت تقذفه تلك الحنجرة، ثم يصطبر قليلا حتى ينقطع الصدى، فيتهلل ويضحك ضحكة صامتة، وأحيانا يتنخع ويتنخم ليسمع الصدى. وأبهج دقائق حياته حين يقف أمام خيمته منتصبا، حتى إذا عوت الثعالب صرخ بها: وريعو
17
فتصمت رهبة وخوفا ويتنعم قرياقوس برجع الصدى.
Halaman tidak diketahui