فأجاب قرياقوس: الله لا يخلي الدنيا من الصلاح والذين يساعدون الفقير. عباس أفندي ابن أصل، والفضل للحق.
فضحك الآغا وقال: والعسل يا قرياقوس، فكاك المشاكل .
فقال قرياقوس: لا يا آغا، عباس أفندي لا يتبرطل، وإن كان العسل يطري جميع القلوب ...
وبينما كان الآغا مرتاحا إلى مراودة قرياقوس عن العسل وملحقاته، أطل المختار أرسانيوس المكلف بتوزيع الميرة وجمعها.
وفيما كان الآغا والمختار يتبادلان التحيات ويبثان الأشواق مر بعض صبيان القرية، فرأوهما في تلك الحماسة، فانتشروا ينشرون الخبر: جا، جا الآغا، ومعه عسكرية ... فتوارى عن العيان كل مطلوب من الحكومة، ولو لأمر تافه.
إن أهل القرى متى وقع الخصام يكونون على حذر، وهما فريقان دائما: فريق يحذر، وفريق يدل بحسب الهوى والمآرب، ولما علموا أن الغاية من قدوم العسكرية هي توزيع الميرة قبل القداس، لبس الناس ثياب الأحد من البابوج إلى الطربوش، وأخذوا يتوافدون وفي رأس كل منهم كلمة يريد أن يقولها في المجمع، شأنهم شأن النواب في الجلسات الحامية.
ودخل قرياقوس إلى الكنيسة بخفة الغزال، وإن كان هيكله هيكل دب، ثم عاد يحمل كرسيا هو من أتراب كنيسة عين كفاع الدهرية.
وجلس الآغا على كرسي مجده يلوح بكرباجه تارة، وحينا ينقر به على جزمته، وأقبل الناس عليه مسلمين واحدا إثر واحد، فكان يسلم على هذا غير مكترث، وعلى هذا بنصف بسمة، وعلى الآخر بربع أو ثلث. كان يوزع تحياته على كل واحد بمقدار أهميته: بو يوسف أهلا وسهلا! بو أنطوان كيف حالك؟ ... كان إذا أقبل للسلام عليه مواطن ضعيف، صافحه بسرعة سحرية وسحب أصابعه من يده بخفة عجيبة؛ ليوهم الجمهور أنه لا يعطي يده أحدا حتى يقبلها، مع أن تقبيل يد الآغا لا يجيء على بال.
إن عند الآغا أساليب أرستوقراطية؛ لأنه ابن عائلة متوسطة الشرف، وهو يعطي الوظيفة حقها من المهابة، فهو متى حلت ركابه قرية ما، كان فيها ممثل أفندينا الباشا، بل جلالة السلطان. ومن أساليبه السلامية أنه قد لا يسمح بيده لمن يكون زري المظهر، وإذا أقبل عليه بشوق، حرمه من تقبيلها ولم يعطه منها إلا رأس أصبع من أصابعه العشر. كان لا يصافح إلا أكابر الضيعة ووجوهها الذين يذبحون له الدجاج متى زارهم، وقبل أن يتناول ويتغدى أو يتعشى عندهم، ويقدمون له ما عندهم من العرق والنبيذ الفاخرين.
وجاء المختار أرسانيوس، كما قلنا، يتغربل مثل الديك المسرول،
Halaman tidak diketahui