لا يأخذك العجب، فالكيس الذي كان مصرا لا يحتوي إلا على 500 قرش، فقد صار اليوم عدلا أكبر من عدل بنيامين، يسع من ورق البنكنوط ما يسلق قنطار قمح إذا أوقدته. وميزانية لبنان التي كانت تحصى أدق إحصاء على البارة أمست كرما على درب. عبئ وخذ وليس من يطالبك.
والآن بعد هذا التمهيد فلنعد إلى أبطالنا لنرى براعتهم في توزيع الميرة المحلي.
الفصل الثاني عشر
توزيع الميرة
واستعد الأهالي لمعركة توزيع الميرة استعدادا حاميا متواصلا منذ تنبيه الآغا، فكان كلما اجتمع اثنان منهم أو ثلاثة لا يتحدثون إلا عن توزيع الميرة، ويغلون المصاريف خوفا من أن يجنف
1
عليهم، ويدفع الواحد منهم بارة زيادة على الدرهم أو على الرأس. فالميرة توزع عليهم في مؤتمر بلدي بمعرفة الجميع وموافقتهم، وتكتب بذلك مضبطة توقع منهم، وتسلم نسخة للضابطية ونسخة تبقى مع شيخ الصلح، ويحق لكل متكلف أن ينسخها ليوم الحساب ...
أما الضجة الكبرى فكانت تقوم حول راتب الناطور؛ لأنه من النادر جدا أن يعين ناطور باتفاق عام، فكأن عصا الناطور في القرية صولجان احشوروش.
إن ميرة لبنان في عهد المتصرفية كانت ذات رقم معين لا يزيد ولا ينقص، وفي مراكز القائمقاميات سجلات مدونة فيها أرقام مال الميرة مفصلة، فمال الأرزاق لا مجال للبحث فيه؛ لأن العقار يظل حيث هو. أما مال الأعناق فيوزع على الرءوس التي عدت سنة الستين، فالمال المفروض يظل هو إياه؛ ولهذا تختلف الفريضة بحسب السنين، فإذا كثرت الوفيات في قرية ما، فعلى الأحياء الباقين أن يدفعوا الميرة عن الذين ماتوا، وإذا ما زاد عدد الأحياء نقصت الفريضة. وهناك مال الربع المجيدي، فهذا يجبى مع التسعة قروش صاغ إلا ربعا، ومال الميرة يجبى على حساب أن الليرة العثمانية الذهبية تقوم بمائة قرش صاغ، بينما هي في البندر بمائة وأربعة وعشرين قرشا وخمسة وعشرين بارة (القرش 40 بارة). والليرة يختلف سعرها في كل قضاء من أقضية لبنان السبعة المستقل كل منها استقلالا داخليا، وإذا سألت ما هذا الربع المجيدي؟ أجبناك أنه مال فرض على الأهالي، وهو مخصص لإصلاح الطرق العامة وترميمها. وهناك أيضا مصارفات عسكرية تضاف إلى حساب الميرة؛ لأن الشيخ يطعم هؤلاء الجباة، ويسقيهم أثناء مأمورياتهم العامة، ويقيد ما ينفق على حساب الضيعة. فإذا كان من أصحاب الضمير الحي سلمت الجرة، وإلا فإنه يعلق الشر وتخطب العصي، وهناك أيضا اشتراك الجريدة الرسمية، وغير ذلك من النفقات، كالإعانات في سني النكبات.
كل هذه الأموال والنفقات تدخل في حساب الميرة؛ ولذلك كان يوم توزيعها يوما مشهودا في كل ضيعة، وترى كل واحد من القارئين والكاتبين يحمل لائحة؛ ليدقق مع المدققين في هذا الحساب العظيم ... وكثيرا ما تقوم قيامة الضيعة بسبب زيادة بارتين على الرأس أو على الدرهم.
Halaman tidak diketahui