الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ (١)، ولأن القرآن جدير بسلامة الترتيب، والوقوع على أصح الأساليب. والكلام مع رد الضمير إلى المنزَل أحسن ترتيبًا، وذلك أن الحديث في المُنْزَل، لا في المُنْزَل عليه، وهو مسوق إليه ومربوط به، فحقه ألا يُفَكَّ عنه برد الضمير إلى غيره، ألا ترى أن المعنى: وإن ارتبتم في أن القرآن مُنْزَل من عند الله فهاتوا أنتم نُبَذًا مما يماثله ويجانسه. وقضية الترتيب لو كان الضمير مردودًا إلى رسول الله ﷺ أن يقال: وإن ارتبتم في أن محمدًا ﷺ مُنْزَلٌ عليه فهاتوا قرآنًا مِنْ مثله (٢).
وقوله: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾: أصله: وادْعُوُوا، حذفت لامه بعد أن أزيلت حركتها كراهة اجتماع المثلين مع انضمام العين.
والشهداء: جمع شهيد، ككريم وكرماء، والشهيد: مَن شهدهم وحضرهم من عون ونصير، عن ابن عباس ﵄ (٣).
وقوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قد جُوِّز أن يكون من صلة الشهداء على معنى: ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله، وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق. وأن يكون من صلة قوله: ﴿وَادْعُوا﴾، أي: ادعوا من دون الله شهداءكم، أي: لا تستشهدوا بالله ولا تقولوا: الله يشهد أن ما ندعيه حق. وأن يكون من صلة محذوف، فيكون في موضع الحال من الشهداء، أي منفردين، أو منعزلين عن الله (٤).
ودون: نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية، ومنه الشيء الدون، وهو
(١) سورة الإسراء، الآية: ٨٨.
(٢) إلى هنا ينتهي كلام الزمخشري في الكشاف ١/ ٤٨ - ٤٩.
(٣) أخرجه عنه الطبري ١/ ١٦٦ - ١٦٧ وأخرج قولًا آخر عن مجاهد وابن جريج أن الشهداء هنا ناس يشهدون، ورجح الأول. وذكر الماوردي ١/ ٨٤ قولًا ثالثًا عن الفراء وهو: آلهتكم. وانظر معاني الفراء ١/ ١٩ حيث اقتصر عليه.
(٤) لم يذكر أبو البقاء إلا هذا الوجه الأخير، انظر التبيان ١/ ٤٠، وانظر هذه الأوجه مجتمعة في الدر المصون ١/ ٢٠١ - ٢٠٢.