Farah Antun: Kehidupannya – Karya-karyanya – Petikan dari Karya-karyanya
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Genre-genre
فقال كليم: لقد أصبت، فإن هذا خير حل. وحينئذ يكون من حق الأهالي إجبار المرضى على الانفراد بذلك المستشفى، وإلا فكل مقاومة منهم تعد خشونة وقسوة؛ إذ الأرض ليست أرضهم، ولا الهواء هواءهم، بل هما لله؛ أي إنهما مشتركان بين جميع البشر، وإذا لم يقم أحد لبناء هذا المكان الصحي؛ فإنني أؤكد أن الحدث لا يقصدها في المستقبل غير المرضى، فتخسر خسارة غير قليلة.
فقال سليم: نعم، إن السل آفة هائلة، والناس يرهبونه كما يرهبون نيران جهنم.
فقال حنانيا: ولكن من أين تنشأ هذه الآفة المهلكة التي كثرت في بلادنا؟ ثم أليس من دواء لها؟
فقال سليم: لقد اطلعت منذ أسبوعين على آخر الأبحاث والآراء في هذه الآفة، ومنها يظهر أن السل يصاب به نصف البشر على الأقل، فبعضهم يشفى منه دون أن يدري به، وبعضهم يموت؛ ولذلك سموه «داء الإنسانية». وفي فرنسا وحدها فقط يموت به في كل عام 150 ألف شخص. أما سبب هذه الآفة فهو الإفراط في كل شيء: الإفراط في السكر، الإفراط في الزواج، الإفراط في التعب والهم، الإفراط في السهر، وسوء المعيشة، وقلة الغذاء، وفساد الهواء إلخ ... ويقولون إنه ينتقل بالوراثة. وهذا رأي ضعيف؛ إذ جل ما تفعله الوراثة إعطاء الولد بنية ضعيفة، فإذا كان الأهل حكماء استطاعوا تقويتها وأنقذوا الولد، وإلا سقط، فسقوطه إذا يكون لا من وراثته داء السل، بل من وراثته ضعف البنية. وكأن آفة السل تمثال أسود للشقاء والعذاب منصوب في ساحة تؤدي إليها كل طرق الشقاء والغلو والإفراط والفساد.
أما دواء هذا الداء فبسيط جدا، وأنا أحب أن ينادى على السطوح على مسمع من جميع المرضى المساكين أن داءهم قابل للشفاء خلافا لما بلغهم، بل إن شفاءه أسهل من شفاء الحمى التيفوئيدية والجدري وغيرهما، لكن على شرط أن يتدارك من أول ظهوره، فقولوا للمرضى به: لا تحزنوا ولا تخافوا؛ إن داءكم بسيط إذا أحسنتم مداواته، ولكن إذا أهملتموه قضي عليكم لا محالة، وإن قيل: كيف تحسن مداواته؟ فالجواب: لا دواء له غير شيء واحد؛ وهو: الهواء النقي والغذاء الكافي. أما ما يقال عن العلاجات والأدوية، فهو كله تدجيل في تدجيل. وكثيرا ما تناول المصدورون أدوية فنفعتهم شهرا أو شهرين ثم انتكسوا بعد ذلك من فعل تلك الأدوية، وانتهى أجلهم؛ فترك الدواء إذا هو كل الدواء، ومعرفة وقت ابتداء الداء هي السر الوحيد في الشفاء. ولا ينبغي للمسلول أن ييأس من شفائه أبدا؛ فإن بعض الأطباء داوى بعض المرضى بالسل عشرين سنة، وكانوا ينفثون الدم مع البلغم، ومع ذلك رزقوا أولادا وعاشوا عمرا طويلا. ولكن المسلول العازب عليه ألا يتزوج، وإن تزوج ولم يكن حكيما غلبه داؤه. أما النساء المسلولات فالحبل فقط يضرهن ضررا شديدا، ويغلب داءهن عليهن. ومن ذلك كله يظهر أن الاعتدال وحسن المعيشة في الهواء النقي الجاف في الجبال، مع قليل من الرياضة الخفيفة؛ هي الدواء الوحيد الشافي من هذا الداء.
وما أتى سليم على هذا الكلام حتى نظر أبو مرعب راكضا نحو الحرج ينهب الأرض نهبا، فاشرأبت إليه الأعناق وقال كليم: خير إن شاء الله! ما وراء أبي مرعب؟ ولما وصل أبو مرعب صاح وهو يلهث تعبا: هل بلغكم الخبر؟ فقالوا: ماذا؟ فقال: قد وجدنا كنزا، فقال كليم: وما هذا الكنز؟ فقال أبو مرعب لاهثا: كنز! كنز عظيم! فقال كليم: فأخبرنا ما هذا الكنز؟ فجلس أبو مرعب وقص عليهم ما يلي:
كنت الآن هناك مع ترجمان الجماعة، وإذ كنت أسأله عن المستر كدن ... نكدن ... كيف يلفظ اسمه؟ فأجاب كليم: «كلدن»، فأجابني الترجمان أنه غني عظيم تقدر ثروته بخمسين مليون ليرة، وإذ كنت أسأله عن أخلاقه وصفاته أخبرني خبرا غريبا، فقد قال لي إن هذا الرجل يخرج في السنة مرة من بيته في شيكاغو إلى المدينة وجيوبه ممتلئة بأوراق البنك، ولا يزال يوزع منها على الذين يجدهم في طريقه حتى تنفد، فربما وزع مليون فرنك في ذلك النهار؛ ولذلك يسميه الناس نهار كدن ... نكدن ... كيف اسمه؟ فقال سليم ضاحكا: «كلدن»، فقال أبو مرعب: نعم نعم، «نهار كلدن»، وقد أخبرني الترجمان أن الذي ابتكر هذه الطريقة وحثه عليها شاب مستخدم في محله يدعى «المستر كرنيجي»، وكثيرا ما يرافقه في ذلك النهار. فما قولكم إذا جاء صاحب الملايين غدا وعلم أنني أنقذت رجال حاشيته؟ ألا يفتح يده ويرينا جوده وكرمه؟
فضحك الحاضرون، وقال سليم: أشير عليك يا عمي أبا مرعب أن تطلب منه أن يصنع «نهار كلدن» مرة في الحدث، فقال أبو مرعب: والله هذا رأي في غاية الصواب، وسنطلب ذلك منه كلنا. ثم نهض أبو مرعب وأسرع ليجتمع ببعض رفاقه من أهل القرية ويتفق معهم على هذا الطلب.
فلما غاب عن أصحابنا التفت كليم إلى حنانيا وقال: ماذا تصنع يا حنانيا إذا صنع المستر كلدن «نهاره» في الحدث؟
فأجاب فاضل عن حنانيا: أعوذ بالله! إن صاحبنا حنانيا يقطع نفسه عشرين قطعة في ذلك اليوم ليصادفه صاحب الملايين عشرين مرة.
Halaman tidak diketahui