فمن نهاية هذا القرن تتأرخ الكنيسة الجميلة لكودجا - كاليسي في إيسوريا. إن القرن الذي ساد فيه الشرق في النهاية على الغرب (350-450م) هو فترة اختمار. إنه وقت نشاط مضطرب يسبق الاندلاع البين للفن على المنحدر المسيحي. لقد كنت قمينا أن أؤكد بثقة أن كل ميلاد فني تسبقه فترة حمل قلقة يكتسب فيها الطفل غير المولود الأعضاء والطاقة التي ستقله في رحلته الطويلة، لو أنني كنت أملك البيانات الكفيلة بأن تقدم دعما مترنحا لمثل هذا التعميم المريح. وا أسفاه! فميلاد المنحدرات العظيمة للعصر القديم محجوب في ليل قلما تؤرقه أبحاث دقيقة لأثريين دءوبين، ومستغلق على الكشوف المروعة لخبراء التزييفات المكشوفة، عن هذه الفترات الحرجة، نحن لا نجرؤ على أن نتحدث بثقة، ورغم ذلك فإن بوسعنا أن نقارن القرن الخامس بالقرن التاسع عشر ونستنبط نتائجنا الخاصة.
في عام 450 شيدوا ضريح جالا بلاسيديا
Galla Placidia
الجميل في رافينا، إنه مبنى غير روماني في صميمه؛ أي أن الصبغة الرومانية التي تتعلق به عارضة ولا تضيف شيئا إلى دلالته، غير أن الفسيفساء داخله ما زالت كلاسيكية على نحو فظ. ثمة واقعية مغثية في الخراف وفي الراعي الصالح تتجاوز مسحة الإغريقي؛ الروماني أبولو. لا تزال المحاكاة تقاوم وإن كانت تحارب معركة خاسرة مع الشكل الدال، وعندما بدأ تشييد كنيسة سان فيتال
S. Vitale
سنة 526م حسمت المعركة، وكانت أيا صوفيا تشيد بين عام 532 وعام 537م، تنتمي أرقى فسيفساء في سان فيتال وسان أبولينير نوفو وسان أبولينير إنكلاس إلى القرن السادس، وكذلك سان سيرجيوس وباكوس في القسطنطينية والدومو في بارينزو. والحق أن أفخم آثار الفن البيزنطي تنتمي إلى القرن السادس، إنها الذروة البدائية والأسمى للمنحدر المسيحي. إن الصعود من مستويات الطريقة الإغريقية - الرومانية هو صعود هائل لا يقاس، والجوانب التي يمكن أن يشملها هذا الصعود لا تزال غير مكتشفة؛ إنه الطول الكلي للمنحدر من أيا صوفيا إلى نصب فيكتوريا المنتصب واقفا على قاعدة من مئات السنين، ونحن على ارتفاعات لا ترى منها السهول الطينية، والمرء إذ يمكث هنا يتعذر عليه أن يعتقد بأن السهول كان لها وجود على الإطلاق، أو، على أية حال، أنها سيكون لها وجود مرة ثانية. اذهب إلى رافينا ولسوف تشهد روائع الفن المسيحي، بدائيي المنحدر، واذهب إلى التيت جاليري أو اللكسمبورج ولسوف تشهد نهاية هذا المنحدر الفن المسيحي وهو في النزع الأخير، مثل هذه الأضرب من «تذكرة الموت» مفيدة لنا في عصر الثقة الذي نحن فيه؛ إذ نشعر، ولنا عذرنا، ونحن ننظر إلى لوحات سيزان أننا بعيدون فوق الطين والملاريا، فبين سيزان وتيت جاليري آخر ماذا يقبع مذخورا للروح الإنسانية؟ هل نحن في فترة اختمار جديدة؟ أو هل ولد العصر الجديد؟ هل هو منحدر جديد هذا الذي نحن فيه، أم نحن فقط في جزء من ارتعاش تمهيدي مدهش في قوته؟ هذه تساؤلات للتفكر، هل سيزان هو بداية منحدر، أم بشير، أم مجرد ذروة حركة؟ الكاهنات لا تحير، شيء واحد يبدو لي مؤكدا: منذ أن وضع البدائيون البيزنطيون أعمالهم الفسيفسائية في رافينا لم يخلق أي فنان في أوروبا أشكالا ذات دلالة عظيمة اللهم إلا سيزان.
ومع أيا صوفيا بالقسطنطينية، وكنائس وفسيفساء القرن السادس في رافينا، يؤسس المنحدر المسيحي نفسه في أوروبا،
11
لقد أخذ انعطافة إلى أسفل في القسطنطينية، غير أن الإلهام الجديد بقي يعبر عن نفسه في جزء أو آخر من أوروبا على نحو أسمى لأكثر من ستمائة عام، كانت هناك بالطبع صعدات ونزلات، حركات وردات فعل، فكان الفن في بعض الأماكن جيدا دائما تقريبا، وفي أماكن أخرى دون الطبقة الأولى دائما، ولكن لم يكن ثمة هبوط مستعص عام حتى استسلمت العمارة النورمانية والرومانسكية للعمارة القوطية، حتى تحول نحت القرن الثاني عشر إلى تزيين القرن الثالث عشر.
احتفظ الفن المسيحي بدلالته البدائية لأكثر من نصف ألفية، ولست أرى عجبا في ذلك، فحتى الأفكار والعواطف كانت تتنقل ببطء في تلك الأيام. لقد حققت القطارات والبواخر من جهة، على كل حال، تنبؤات مستخدميها؛ فجعلت كل شيء يتحرك أسرع. يكمن الخطأ في ثقتهم المفرطة بأن هذه نعمة، أما في تلك العصور المظلمة فكانت الأشياء تتحرك ببطء، هذا أحد أسباب لماذا لم تستنفد القوة الجديدة نفسها في ستمائة سنة، وسبب آخر هو أن الإلهام جاء إلى عصر كان يقتحم أرضا جديدة على الدوام. كانت هناك دائما بقعة بكر تتلقى البذرة وتزرع محصولا قويا، فبين سنة 500 وسنة 1000م كانت الكتلة السكانية لأوروبا سائلة فكان ثمة دائما عرق جديد قابض على الإلهام والشعور ومعبر عنه بحساسية وانفعال بدائيين. وكان العرق الأخير في تلقي العدوى من أرقى الأعراق، فأنتجت القوة النورماندية والذكاء الفرنسي في القرن الحادي عشر في غرب أوروبا مظهرا للخميرة المسيحية لا يقل كثيرا عن ذلك الذي مجد الشرق قبل ذلك بخمسمائة عام.
Halaman tidak diketahui