وتشاهد نتائج مثل هذا التواصل يوميا حتى بين البقاع البعيد بعضها من بعض، ومن ذلك أن مربي الحيوانات الأستراليين مثلا يضطرون عن عدم وجود الفحم الضروري للمصانع إلى إرسال صوف ضأنهم إلى إنكلترة لينسج فيها، على الرغم من نفقات النقل المضاعفة.
ولا يستطيع بلد في الوقت الحاضر أن يعيش من منتجاته حصرا، وكان أوليس في جزيرته قائما بحاجات نفسه مستعينا ببنيلوب وبعض الرعاة، والآن يتطلب صنع ثوب بسيط تعاون قارات كثيرة، واليوم ترانا محاطين بأشياء تأتي من جميع أجزاء العالم، فتبصر أحقر مواطن مدينا بحياته اليومية للعالم بأسره.
ولسهولة العلاقات الأممية الحديثة في التاريخ كثيرا نتائج لا يمكن إلا أن تعظم، فكل أمة مضطرة إلى البحث في الأقاصي عما يعوزها، وهي تدفع ما يفيض من إنتاجها ثمنا له، ولا تعيش الأمم الحاضرة إلا بتبادلها ما تنتج، وقد بلغ الإصدار من فرنسة عشر مرات زيادة على ما كان عليه سنة 1840، وقد بلغ الإصدار من الولايات المتحدة عشرين مرة زيادة على ما كان عليه في تلك السنة.
وهكذا تقوم الأمم بمزاحمة اضطرارية يحدد بها ثمن بيع السلع، ومن ثم عادت الأجور لا تعين بإرادة العامل ولا بإرادة صاحب المصنع، بل بإمكانيات البيع، وفي الاقتصاد السياسي تكون للحوادث البادية النفع في الغالب نتائج مخالفة للمرجو منها. ومن ذلك أن نال عمال الإنكليز ارتفاعا عظيما في الأجور بواسطة نقاباتهم، فأدى هذا إلى زيادة ثمن التكلفة، فإلى بطالة واسعة المدى لما حدث من صعوبة البيع تبعا لذلك، أي: جاءت هذه النتيجة المخالفة مخالفة مطلقة لما كان العمال وزعماؤهم يعتقدون نيله. •••
يوجد بين الحوادث الاقتصادية التي تصبح ناظمة العالم الكبرى ما سيكون أعظم من العوامل السياسية القديمة بمراحل، ومن ذلك مثلا: نقص الأسواق الخارجية بالتدريج، هذا النقص الذي يزيد يوما بعد يوم، والواقع أن جميع البلدان تجهز بالآلات مقدارا فمقدارا لتقوم بحاجات نفسها وتصير مصدرة.
وفي أيامنا تبدو التدابير الاشتراعية البالغة النفع في طفولة الأمم من عدم الجدوى ما لا تحل المشاكل الاقتصادية معه.
وتعد البطالة التي تشاهد لدى كثير من الأمم الأوربية كإنكلترة مثلا نتيجة إغلاق الأسواق الخارجية بالتدريج.
وتعتقد بعض الدول قدرتها على معالجة أخطار هذا الوضع برسوم الجمارك التي تحول دون مزاحمة المنتجات القومية، ولكن هذه الدول إذ تخشى المقابلة بالمثل فإنها تضطر إلى عدم الإيغال في هذا السبيل، ولا ريب في أن آخر حاصل للإفراط في الإنتاج لدى مختلف الأمم هو حدوث نقص كاف في السكان يكون به مناسبا لوسائل العيش.
ويمكن تمثل مقدار ما تؤدي إليه البطالة من خراب عند التفكير في اضطرار إنكلترة إلى تموين ثلاثة ملايين بطال، وتعد هذه المشكلة من أصعب مشاكل الحياة الاقتصادية في العالم، وقد لخصت «الطان» ناحية هذه الأزمة العامة في السطور الآتية: ... مرض مزمن لدى بعض الدول، حاد لدى الأخرى، من غير أن يمكن التفريق بين الدول الرأسمالية والدول الشيوعية، وإذ إن هذه الدول تصاب بهذا المرض على نحو واحد فإنه يهدد بإهلاك أقوى الأمم، وذلك بتعرضها لعدم صبر الجمهور، أو لأن هذه الأمم تسع تلك الدول في مقابل تضحيات مبيدة. ... ونرى أنه يوجد لدى البلاشفة من البطالين بمقدار عمال الإنكليز وممولي الأمريكيين، وما سبب هذا المرض الذي يبدو الخبراء الاجتماعيون عاجزين تجاهه إذن؟ ... ... ومع ذلك لم يصل الإنكليز الذين يعانون هذه المصيبة منذ ثمانية أعوام إلى نتيجة عملية حتى الآن، خلا ما هو واقع من دفعهم في كل سنة مليارات إلى عمال يائسين، يفقدون ذوق العمل وعادته شيئا فشيئا. ... وعند سكرتير المالية السابق مستر صموئيل: أن البطالة ناشئة عن نقص المبيعات الإنكليزية في الأسواق الخارجية نتيجة لارتفاع ثمن التكلفة، فقد قال: «إن عمالنا أرادوا تعيين أجورهم إجمالا، مع أن المشترين من الأجانب هم الذين يعينون هذه الأجور.» ... والوضع في جميع البلدان هو أن الصناعات التي تقوم بالخدم هي ما تؤلف به بالتدريج طبقة ممتازة إجحافا بالزراع أولا، وبالعمال ثانيا. والخلاصة: هي أنه كلما ثقلت وطأة الاستخدام العام والخاص على الأمة قل إنتاجها، وهي تصبح بذلك كالمصنع الذي يعتصر نفقاته العامة. ... وقد تذرعت فرنسة بما لم تتذرع به إنكلترة من حكمة، فلم تضح بزراعتها في سبيل صناعتها، ولا ريب في أنها عاشت ضمن أحوال أقل رغدا وأنها لم تثر على ذات الوزن، ولكنها تمتعت باستقرار يحسدها عليه جميع العالم. وليس أقل من هذا صحة كون سكون تناسلها يهيئ لها فرصة زيادة العمل، وإن كان يجعلها على مستوى متأخر في المسابقات العسكرية.
وكيف تعد وسائل العيش لجمع البطالين المتكاثر؟ تقترب الساعة التي لا تستطيع ميزانية أن تمونهم فيها، ولا يمكن أن يوجد ما لا نهاية له من الأعمال العامة لإعاشتهم، والآن يكتفى بإيجاد طرق لذلك. ومن ذلك أن قللت إيطالية رواتب جميع موظفيها ومنهم الوزراء، بمقدار اثني عشر في المائة. ومن ذلك أن كثيرا من الشركات في إنكلترة يحاول خفض الأجور على السواء، ولا بد من انتحال هذا الحل الموقت بحكم الضرورة في جميع البلدان التي يزيد سكانها على وسائل العيش فيها. •••
Halaman tidak diketahui