وكان لا بد من أن يظهر من الحياة اللاشاعرة، التي كان الإنسان غير خارج منها بعد، بصيص من الحياة الشاعرة، تقترن به في النفس صور الأشياء، حتى يكتشف الإنسان ما تشابه منها وما اختلف، فيلوح له تكوين فكرة عن العالم.
ويدل مبدأ السببية والغائية، أي: المبدأ القائل إن للحادث أسبابا ونتائج، على أصل مبادئ الإنسان الابتدائي الأولى عن الكون كما يحتمل.
وكان لا بد من وجود علة للغوامض الهائلة التي وجد الإنسان نفسه محاطا بها، كنور الصاعقة وصولات العاصفة وغيرهما، وكان الأمر الوحيد الممكن تصوره وجود أشخاص مشابهين للإنسان، ولكن مع كونهم أشد قوة منه بمراحل.
وهنالك ظهر الآلهة الكثيرون النافعون أو الضارون والمرهوبون دائما، فسيطروا على حياة الأمم في قرون طويلة. وكان يهيمن آلهة خاصون على جميع الحوادث المترجحة بين سير الشمس وهياج الأمواج ووقوع الحصاد، وكان نيل حمايتهم يقتضي التزام ما يمكن تصوره في ذلك الحين من الوسائل التي تتخذ وحدها للتأثير في الكبراء، وهي الدعوات والتقدمات، ولم تلبث حياة كل أمة أن وجدت خاضعة لتدخل الآلهة الدائم، وكان الآلهة الكثيرو العدد لدى أكثر الأمم حضارة كالأغارقة والرومان على الخصوص يوحون بخوف بالغ، وكان تدخلهم المفروض في أدق أعمال الحياة يحمل على استشارتهم بلا انقطاع، وكان يفوض إلى مجمع الطوالع الذي يشترك فيه أرقى الأعيان برومة أمر تفسير الإشارات الدالة على إرادة الآلهة.
بيد أن هؤلاء الآلهة أنفسهم عانوا سنة التطور التي تقضي على الكون بالتحول دائما.
فقد ظهر في بلاد الجليل إله لم يعتم أن حل محل آلهة الألنب الهرمين، فسيطرت عزيمة هذا السيد القوي على حياة الأمم قرونا طويلة، وأنعم على الفكر بثبات أكثر من الذي أنعم به الآلهة الذين قام مقامهم، وكان الناس الذين لم يطيعوا أوامره مدى حياتهم يوعدون بنار أبدية.
وإلى وقت بالغ الجدة فقط ظفر بمبدأ القوى غير الشخصية التي يمكن الإنسان أن يستميلها والتي تستطيع أن تحل محل عزائم الآلهة. •••
وبلغ الدور الذي يمثله الآلهة في التاريخ من القوة ما لم تستطع أمة أن تغيره من غير أن ترى حياتها تتحول تحولا تاما.
ومما ذكرناه آنفا أن قبائل بلاد العرب البدوية وحدت برؤى محمد الدينية، فلم تلبث أن بلغت من القوة ما أقامت معه إمبراطورية عظيمة.
ومن الأمثلة الكثيرة على الثبات النفسي الذي قد ينشأ عن اعتناق إيمان حار يمكن أن نستشهد أيضا بأوائل الإصلاح الديني في فرنسة.
Halaman tidak diketahui