وسواء علينا أنظرنا إلى الذاتية الفزيوية أم إلى الذاتية الخلقية لا نبصر الموجود عينه مرتين، وما نعرفه عن الناس الذين يحيطون بنا وما يعرفه هؤلاء الناس أنفسهم ينم على ذاتياتهم الممكنة فقط.
ومع ذلك فإن من المحقق كون هذه التقلبات لا تزيل تأثير الوراثة الثابت، فكل خلية جديدة وارثة لخلية سابقة، وهي تحتفظ بعدد من خصائصها كرها، وهذه العناصر الموروثة تمنح الفرد خصائص جبلية يكون بعضها مشتركا بين جميع الموجودات في الفصيلة عينها أو العرق عينه.
وتكون تقلبات الذات محدودة لدى الأمم التي ثبت أمرها منذ زمن طويل بمصالح ومعتقدات مشتركة، ومن ثم يحوز الإنكليز أو الألمان أو الفرنسيون، إلخ، في بعض المسائل مجموعة من المشاعر والأفكار المشابهة لما عند مواطنيهم، ولكن مع اختلافها اختلافا بينا بين أمة وأخرى، وتتحول الذاتية باستمرار لدى الأمم التي لم يثبت أمرها، كالصقالبة مثلا.
وإذا عدوت هذا الثبات العميق في بعض عناصر العرق وجدت كثيرا من تحولات الذاتية يقع بلا انقطاع في أثناء الحياة اليومية، حتى إنه يمكن أن يقال إن الفردية اليومية تختلف باختلاف الحوادث وعلى حسب الموجودات التي نعاشرها، وتعين نفسية هذه الموجودات نفسيتنا، كما تؤدي تقلبات الجو إلى تقلبات مقياس الحرارة.
وتعين هذه الملاحظات على إيضاح حوادث تظل مبهمة بغيرها، ومن ذلك أننا إذا ما أبصرنا في ذات النهار ذات الشخص يأتي باقتراحات متفاوتة القيمة أيقنا - على الرغم من الظواهر - بأننا كنا بالتتابع أمام موجودين مختلفين لا يشتركان في غير الصورة. •••
وتتوقف علة تقلباتنا الرئيسية على تحول صورنا النفسية، فعنها تصدر آراؤنا ومسراتنا وآلامنا، ويكون أعظم محسني الإنسانية ملائكة قادرين على منح الناس قوة يبتدعون بها كما يشتهون صور سعادة نفسية بالغة التأثير، كالتي توجبها الحقائق، وإذا ما أقنعت الموجودات بذلك على هذا الوجه غدت تامة السعادة لما يلوح من تحقيق أحلامها، فهي تصير مساوية لأقوى الملوك من فورها وتسكن أزهى القصور كما تشاء.
ولم يحول جميع مؤسسي الأديان، كبدهه (بوذا)، وعيسى، ومحمد، إلخ، العالم إلا لأنهم أنعموا على الناس بقدرة يبتدعون بها صورا نفسية قريبة من التي تصدر عن الحقيقة، غير أن هذه الصور كانت موصوفة، ومن ثم حتمية، ما جعلت النفس مذبذبة بين شقاء دائم ونعيم جازم، وكثير من الناس لبوا صورا نفسية فضحوا بحياتهم نصرا لأوهام كانت تسيطر عليهم.
يمكن أن يستنتج مما تقدم كون الصورة النفسية لها من التأثير ما للحقيقة، وأنها تستطيع إبداع ذاتية جديدة فجأة. •••
يوجد لذاتياتنا المنوعة مصادر مختلفة، وهي: (1) عناصر الأجداد المنتقلة بالوراثة. (2) العناصر المكتسبة أو المفروضة من البيئة والتربية، إلخ.
وتشتق من العوامل الإرثية المقدرة صفات الخلق البالغة الثبات كرها، والتي توجب قوة الأفراد أو ضعفهم، كما توجب قوة الأمم أو ضعفها، وتبقى ذاتية الأجداد مجهولة من قبل الذاتية المكتسبة وإن أمكنها أن تنازعها، ويعد كل موجود حي مقبرة يرقد فيها أجداد كثير ليفيقوا أحيانا ويبدوا عزائم متجبرة.
Halaman tidak diketahui