Falsafat Kesenangan dan Kesakitan
فلسفة اللذة والألم
Genre-genre
والقورينيون الذين نخصهم بالبحث في هذا الكتاب، شعبة من المذهب السقراطي، وبذلك يكون مذهبهم تابعا لمذاهب العصر الثاني من عصور الفلسفة اليونانية، ومؤسس هذا المذهب أرسطبس القوريني، من تلاميذ سقراط، ومن أقران أفلاطون، ومن معاصري أرسطوطاليس المعلم الأول، وأما مذهبه الأخلاقي فثابت من حيث الجوهر ولا نزاع فيه، مثله كمثل التطور من حيث إن التطور أساس لنشوء الصور الحية، ولكن التفاصيل تختلف، والتعاريف تتنافر، والتطبيق يخضع دائما لمقتضيات كل عصر من العصور، لهذا أجد من الضروري أن أختم هذا البحث بتأملات تدور حول المذهب، قد يحتمل أن تكون كلها أو بعضها موضوعا للمناقشة والبحث، خلصت بها من إكبابي على درس هذا المذهب ، وتعتبر مكملة لأصل البحث، وإليك هي :
إن تحصيل اللذة الراهنة - كما يقول أرسطبس - هي القاعدة في الحياة على الضد مما يقول «كانت
Kant »، على أن الفارق بين الاثنين أن فلسفة «كانت» تختط للإنسان خطة في حساب النفس، يرجع فيه إلى الضمير، والتساؤل عند مباشرة أي عمل: «أيجوز أن يكون هذا العمل قانون الإنسانية الأدبي؟» «وهل ينطبق هذا العمل على ما تجيز الفضائل؟» في حين أن فلسفة أرسطبس لا تتقيد إلا بالمشاعر التي تستولي على النفس في ساعة بعينها، فتحصيل اللذة الراهنة سواء أكانت لذاتها أم للتحرر من ألم عارض، هي عنده قاعدة الحياة وناموس السلوك.
إذا استولت اللذة (إيجابا) أو التحرر من الألم (سلبا) على الإنسان وهو يزاول أي عمل من أعمال الحياة، فإن صوت ضميره يخفت تماما، حتى إذا تم الفعل، وكان على غير ما تجيز شرائع الآداب أو العرف استيقظ الضمير، وأخذ يحاسب النفس على ما اقترفت من استسلام للشهوة، فالضمير قوة ثانوية، والشهوة قوة أولية، غير أن أرسطبس احتاط لهذا، فقال بأن اللذة لا يجب أن تكون مرجوحة بالألم الذي يعقبها من حساب الضمير. •••
عبثا يحاول الإنسان أن يوقظ ضميره، إذا استولت عليه الشهوة، وعلى قدر ما تكون قوة استيلاء الشهوة على الإنسان يكون عجز إرادته عن إيقاظ ضميره، ليصد عن فعل بعينه أو ليحض عليه، ففي بعض الحالات يخفت صوت الضمير بل يكمن ويستخفي، وفي غيرها يعي بعض الوعي، وفي ثالثة يصارعك فإما له وإما عليه، وهذا على نسبة ما يكون تحكم الشهوة في المشاعر.
إن تحصيل اللذة الراهنة قد يكون متجها لما نعتبره خيرا وللخير الأسمى، كما يكون متجها لما نعتبره شرا وللشر الأدنى، والإنسان في كل الحالات خاضع للشهوة أولا، فإذا استقوت وكانت بواعثها مما لا يمكن قمعه تغلبت، وإذا لم تستقو فشلت، ولكن الشهوة على كل حال أكثر انتصارا، وأقل من الضمير اندحارا، والشهوة للخير أقل من الشهوة للشر - كما وكيفا - مع تقدير اعتباري الخير والشر في مفهومنا، كما أن للشهوة منازل ودرجات أبان عنها أرسطبس في مذهبه كل بيان .
ومما يدل على أن الشهوة أقوى من الضمير فعلا في النفس، أن الضمير لا يستيقظ إلا نادرا، وبعد وقوع الفعل في الغالب، وأن استيقاظ الضمير لا يكون إلا لقمع شهوة تقوم في النفس، أو محاسبة على فعل أتته خضوعا لشهوة ما، فالشهوة إذن أقوى من الضمير أثرا في السلوك الإنساني، وإذا قلت بأن كل أعمال الناس أثر من آثار الشهوة، أو بالأحرى إن أعمال الإنسان شهوات، توضع موضع التنفيذ؛ كنت أقرب ما يكون من الواقع. •••
يحتاج الضمير إلى حكم العقل أولا ليستيقظ؛ فإن الحكم على فعل من الأفعال بأنه مخالف أو موافق لشرائع الآداب، يحتاج إلى موازنة العقل، والعقل قد يخطئ كما أن حكمه نسبي اعتباري، يختلف باختلاف الزمان، وباختلاف الأفراد، وباختلاف الجمعيات.
ثم إن العقل خاضع في غالب أمره للتقاليد والوراثة والأوضاع التي درجت عليها كل جماعة من الجماعات، وإذن فالضمير خاضع لجملة من المؤثرات، وهو عرضة لتضارب أحكام العقل، أو للأخطاء التقليدية التي ورثت ولبست مع الزمان ثوب القداسة، فقد اتفقت كل الشرائع وتقاليد الجمعيات الإنسانية المتحضرة على أن القتل جريمة، ولكنه جائز في الحروب، فيقتل الناس بعضهم بعضا من غير أن يتحرك الضمير بوازع يصد الإنسان عن ارتكاب هذه الجريمة.
والسبب في هذا أن الضمير يخضع للتقاليد والأوضاع، وهنا تستولي شهوة القتل على النفس غير متورعة عنه بصورة من الصور، وإذا فرضنا أن القتل في الحرب دفاع عن النفس - كما يذهب البعض - فليس الدفاع عن النفس إلا فعل عكسي أصيل، لا يلبث أن يتحول سراعا إلى فعل عكسي
Halaman tidak diketahui