Falsafat Karl Buber
فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم
Genre-genre
الإهداء
تصدير
المقدمة
الباب الأول: المنهج الاستقرائي هل يصلح معيارا لتمييز العلم
تمهيد
1 - المعيار التقليدي: المنهج الاستقرائي
2 - المعرفة موضوعية
3 - حل مشكلة الاستقراء
4 - الاستقراء خرافة
5 - منهج العلم
Halaman tidak diketahui
6 - تعقيب
الباب الثاني: موقف بوبر من الوضعية المنطقية ومعاييرها لتمييز العلم
تمهيد
1 - الوضعية المنطقية ومعاييرها لتمييز العلم
2 - نقد بوبر للوضعية المنطقية
3 - بوبر ينقد معايير الوضعية لتمييز العلم
4 - تعقيب
الباب الثالث: معيار القابلية للتكذيب
تمهيد
1 - معيار القابلية للتكذيب
Halaman tidak diketahui
2 - العبارات الأساسية
3 - درجات القابلية للتكذيب
4 - تطبيقات المعيار
5 - تعقيب
الخاتمة
ثبت المراجع
الإهداء
تصدير
المقدمة
الباب الأول: المنهج الاستقرائي هل يصلح معيارا لتمييز العلم
Halaman tidak diketahui
تمهيد
1 - المعيار التقليدي: المنهج الاستقرائي
2 - المعرفة موضوعية
3 - حل مشكلة الاستقراء
4 - الاستقراء خرافة
5 - منهج العلم
6 - تعقيب
الباب الثاني: موقف بوبر من الوضعية المنطقية ومعاييرها لتمييز العلم
تمهيد
1 - الوضعية المنطقية ومعاييرها لتمييز العلم
Halaman tidak diketahui
2 - نقد بوبر للوضعية المنطقية
3 - بوبر ينقد معايير الوضعية لتمييز العلم
4 - تعقيب
الباب الثالث: معيار القابلية للتكذيب
تمهيد
1 - معيار القابلية للتكذيب
2 - العبارات الأساسية
3 - درجات القابلية للتكذيب
4 - تطبيقات المعيار
5 - تعقيب
Halaman tidak diketahui
الخاتمة
ثبت المراجع
فلسفة كارل بوبر
فلسفة كارل بوبر
منهج العلم ... منطق العلم
تأليف
يمنى طريف الخولي
الإهداء
إلى كنز قلبي ... أبي الحبيب
الذي علمني كيف أجد المتعة كل المتعة بين جدران هذا العالم الرائع الثر المثير عالم الثقافة والمعرفة والعلم.
Halaman tidak diketahui
يمنى
سبتمبر 1980م
تصدير
منذ سبع سنوات خلت تقدمت لنيل درجة الماجستير، من كلية الآداب جامعة القاهرة، بأطروحة هي أول دراسة عربية على وجه الإطلاق، لفلسفة العلم عند كارل بوبر.
إن المبادأة والمبادرة باقتحام المعاقل الرحيبة الدافقة لهذا الفيلسوف المجدد العملاق لم تأت جزافا، بل كادت تكون ضرورة قومية فرضت نفسها، فبوبر من أهم فلاسفة النصف الثاني من القرن العشرين؛ وذلك أولا لأنه أقدر من استوعب وتمثل ومثل أحدث تطورات العلم المعاصر، وغني عن الذكر مسيس احتياجنا الحضاري الملح في هذه المرحلة المتعثرة إلى جرعات متزايدة من روح المنهج العلمي، إلى التشبع به؛ كيما يداني بيننا وبين اللحاق بركاب العصر، وكيما نكف عن استيراد الحلول الجاهزة لمشاكل واقعنا والذي يبلغ حد استيراد الإدارة الأجنبية لبعض المؤسسات! ولكي نتجاوز مرحلة أن نظل مستهلكين مقتصرين على النقل دون الإضافة في العلم؛ أي في البحث الهادف إلى استكناه المجهول وإشباع نزوع العقل الإنساني نحو الفهم والتفسير، ومستهلكين في التكنولوجيا؛ أي في التطبيق العملي لنتائج هذا البحث، غير منتجين لا في هذا، ولا في ذاك. فقط مستهلكون، هذا اللفظ الذي تربطه أواصر القربى اللغوية والواقعية بالهلاك، بينما ينتج آخرون، في شرق آسيا وشرق أوروبا، أضعاف احتياجاتهم، وهم ذوو موارد طبيعية أقل كثيرا مما وهبنا الله إياه، لكنهم يملكون ما هو أهم، يملكون الأسلوب الأمثل لمواجهة الواقع واستغلال الطبيعة وتسخيرها؛ أي المنهج، أصول التفكير العلمي وطبائع الروح العلمية.
فكان لا بد من مد الجسور إلى كارل بوبر؛ لإثراء الفكر العربي بفلسفته الثرية، التي تحمل أكمل وأنضج النظريات في هذا الصدد.
وعلى الرغم من أنني تحت وطأة مقتضيات الطبع والنشر قد اضطررت لحذف الكثير من متن أطروحتي الضخمة، فإن الكتاب في صورته الراهنة ظل يحوي مجمل فلسفة بوبر، بسائر عناصرها بل وتفاصيلها، لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا وعالجها بإطناب أو أشار إليها باقتضاب، حسبما يقضي السياق. وعلى الرغم أيضا من أن الأطروحة كانت أصلا صدرت عنه خلال السنوات الماضية دراسات بوبرية أو متعلقة ببوبر ... على الرغم من هذا وذاك، فإن هذا الكتاب يظل يحوي أشمل إحاطة عربية بنظريات بوبر، التي هي أشمل إحاطة فلسفية بالعلوم الطبيعية.
وبعد، فإن أطروحتي المتواضعة جدا، قد تجللت وتكللت بأن ناقشتها - في السابع عشر من شهر يونيو عام 1981م - لجنة من كبار أساتذة الفلسفة في مصر، مكونة من أستاذتي الأثيرة الدكتورة أميرة مطر رئيس قسم الفلسفة بآداب القاهرة، وأستاذي الجليلين الدكتور يحيى هويدي والدكتور صلاح قنصوة، وقد أجازتها اللجنة بامتياز، مع التوصية بتبادلها مع الجامعات الأخرى.
ويبقى امتناني وعرفاني لزوجي الفاضل، فبفضل ما أفاءه علي من ظلال وريفة طوال رحلة العمر؛ استطعت إنجاز هذا العمل، وكل ما أنجزته قبله وبعده، بتوفيق من العزيز الحكيم.
يمنى طريف
Halaman tidak diketahui
منيل الروضة، في فبراير 1988م
بدأ عملي في فلسفة العلم منذ خريف عام 1919م، حينما كان أول صراع لي مع المشكلة: متى تصنف النظرية على أنها علمية؟ أو هل هناك معيار يحدد الطبيعة أو المنزلة العلمية لنظرية ما؟
لم تكن المسألة التي أقلقتني، متى تكون النظرية صادقة، ولا متى تكون النظرية مقبولة، كانت مشكلتي شيئا مخالفا، إذا أردت أن أميز بين العلم والعلم الزائف،
1 ⋆
وأنا على تمام الإدراك بأن العلم يخطئ كثيرا، وأن العلم الزائف قد يحدث أن تزل قدمه فوق الحقيقة.
كارل بوبر
Conjectures and Refutations, p. 33
ما زلت أعتبر معيار القابلية للتكذيب مركز فلسفتي.
كارل بوبر
Replies to my Critics
Halaman tidak diketahui
إنه طريقة وقائية تحدد ما هو علمي وما هو غير علمي في مجال العلم، فتحمي العلم من الأفكار الدخيلة والأعشاب الضارة، والنظريات الخاطئة غير العلمية والأفكار البالية، وترسم مبادئ ثابتة تساعد على استقرار العلم.
لنوربرت فيير تصريح شهير فحواه أن 5٪ من الرياضيات هي من صنع الرياضيين والباقي قدره 95٪ يقوم بدور وقائي في حماية الرياضيات من آفة النظريات التي تفتقر إلى قدر كاف من الدقة.
ف. ف. ناليموف
مقتبسا من مقال «قبول الفرضية العلمية»
المقدمة
(1) أهمية البحث في فلسفة العلم، وعند كارل بوبر (1) إحدى وجهات النظر الشائعة في تبيان ماهية الفلسفة، وما وظيفتها وجدواها، هي تلك الوجهة من النظر التي يتبناها كثير من الفلاسفة المعاصرين - لا سيما التحليليين منهم - التي تنظر إلى الفلسفة بوصفها تحليلا للمقومات والعمد والدعائم التي تقوم عليها الحياة العقلية في العصر الذي توجد الفلسفة بين ظهرانيه، فإن كانت تلك العمد دينية - كالعصور الوسطى - كانت مهمة الفلسفة تحليل دعائم الدين وإثبات مقوماته؛ بعبارة أخرى كانت الفلسفة هي فلسفة الأديان. وإن كانت تلك العمد سياسية اجتماعية - فرنسا إبان ثورتها مثلا - كانت مهمة الفلسفة تحليل النظم السياسية القائمة والتي ينبغي أن تقوم، والبحث في مقومات المجتمع وعناصره وطريقه إلى الحياة المثلى ... وهكذا.
وغني عن الذكر أن عصرنا هذا يحتل العلم مكان السبق من واجهته العقلية والفكرية والثقافية حتى شاع نعته بأنه عصر العلم، وتمشيا مع هذه الوجهة من النظر، تكون فلسفة العصر الراهن أولا وقبل كل شيء هي الفلسفة التي تحاول فهم ظاهرة العلم فهما يعمقها، فتبحث في خصائصه ومقوماته والتنظيم الأمثل لمناهجه، ومحاولة حل مشاكله التي تخرج عن دوائر اختصاص العلماء؛ أي فلسفة العلم.
هذا ما يراه بعض أقطاب المدارس المعاصرة، الذين بهر التقدم الساطع للعلم أنظارهم فآمنوا بعلمية الواقع وعلمية الحياة الإنسانية، وأرادوا أن تنسحب هذه الخاصة العلمية على الفلسفة مثلما انسحبت على سائر قطاعات الحياة، فتكون الفلسفة إما علمية - أي تحل المشاكل الفلسفية التقليدية مستفيدة بإنجازات العلم، كما يرى رسل مثلا
1 - وإما مقصورة على فلسفة العلم، أي تبحث في مشاكل العلم فقط، كما يرى الوضعيون المناطقة مثلا. إنهم معبرون عن تيارات أخذها العلم جملة وتفصيلا، فنجد الكثيرين من المشتغلين بالفكر الفلسفي، لا سيما في الغرب حيث معقل العلم، يقرون كبديهية في غير حاجة إلى نقاش أن كل ما عدا فلسفات العلم ومناهج البحث، من مخلفات عصور الجهالة، ينبغي أن يوضع في متاحف التاريخ. (2) وإن كان عرض هذه الفكرة لا يحمل اقتناعا بها، فإن الاقتناع - كل الاقتناع - بأن فلسفة العلم لا يجادل أحد في جدواها بالنسبة للفكر المعاصر، وهي من ناحية ثانية أقل فروع الفلسفة حظوة في المكتبة العربية، ومن ناحية ثالثة فبحكم كونها نقطة التقاء بين القطبين الأساسيين لنتاج العقل ومحوري المعرفة «العلم والفلسفة» فإن البحث فيها أكثر إثراء. هذا كله بالإضافة إلى أن فلسفة العلوم الطبيعية بالمعنى الناضج المعاصر لم يكتمل نموها، ويتم الاعتراف بها كعلم مستقل قائم بذاته، إلا بعد أن ازدهرت العلوم الطبيعية نفسها ازدهارا فائقا في الآونة الأخيرة؛ لذلك فهي أصغر الأبناء في الأسرة الفلسفية؛ ومن ثم أحقهم بالعناية، أين هي من فروع الفلسفة الأخرى التي يعد عمرها بالمئات من السنين وتكاد تكون قد قتلت بحثا ودراسة؟! (3) وبخلاف دوائر احتراف التفلسف، فإننا من الناحية القومية، لو أردنا اجتياز الهوة الحضارية السحيقة التي تفصلنا عن الغرب، وتدارك ما فاتنا من خطواته العلمية الواسعة، فالخطأ كل الخطأ يتمثل في تعجيل الوصول إلى عصر العلم دون تأصيل لمناهجه، عن ظن بأننا نستطيع أن نأخذ بما حققته الدول التي سبقتنا على الطريق، غير ملتفتين إلى الطريق نفسه: من أين بدأ، كيف اتجه وسار.
أي لا بد من الإلمام بأسلوب التفكير العلمي - أي منهجه - أولا؛ كي نستطيع أن نعيشه ونمارسه ثانيا، فقد أثبت منهج العلم - ولا جدال - أنه الطريق الأمثل، والأوحد، لحل المشاكل الواقعية العملية، وربما كان العامل الوحيد الذي فجر تقدم الغرب هو تشربهم حتى النخاع بالمنهج العلمي في مواجهة المشاكل العملية، وبجذور تمتد حتى نتاج عصر النهضة حيث رينيه ديكارت وفرنسيس بيكون، بينما نحن مفصولون عنه بفراسخ وأميال.
Halaman tidak diketahui
ولا يكابر أحد بادعاء أننا أخذنا بالعلمية، مشيرا إلى أكاديميات العلوم ومجامعها والميكنة والتقنية التي تعمر أرجاء البلاد، فقد أخذنا بهذا ونحن غافلون عن أن العلم هو المنهج، فنهلل فقط لنتائجه (أي قطع التكنولوجيا) غير مدركين أننا لو استوردنا كل تكنولوجيا الغرب، فسيظل علمنا - بداهة - حيث هو، ما لم نكن على وعي بروح هذا العلم، بمساره وكيفية تقدمه (أي منهجه). إغفال حضارتنا لمنهج العلم، كقانون التفكير العملي السليم، هو الباعث على التشكك في مسايرتنا لروح العصر، فكل ما نقلناه من أنظمة علمية وأجهزة تكنولوجية محض مظاهر سطحية، لم تشكل رافدا جديدا، شق ليثري نهر حضارتنا الخالد.
على هذا يبدو من الملائم تماما اختيار فلسفة العلوم - التي هي مناهج بحثها - ميدانا للدراسة، وعساها أن تساهم في نمط من اليقظة الفكرية، بلاد الشرق من أحوج بقاع الدنيا له. (4) ومن الملائم أكثر اختيار كارل بوبر بالذات (1902م-؟)
Karl
؛ لأنه فيلسوف العلم ومناهج البحث الأول، وبغير منازع على هذه الأولوية.
فهو أصلا دارس للرياضة والطبيعة، بجانب الفلسفة بالطبع، ثم مدرس لهما، إذن يستند في فلسفته للعلم على خلفية صلبة وأرض ثابتة من الإلمام الأكاديمي الواسع بالعلم ذاته، إنه - كما قال العالم الفيزيائي الكبير هنري مارجينو - على خلاف معظم معاصريه، قد أخذ على عاتقه دراسة موضوع تفلسفه أي الفيزياء المعاصرة،
2
وهو رغم سعة إلمامه بالعلم وفلسفته، ليس من قبيل الفلاسفة الذين بهرهم هذا العلم فذابوا معه وراحوا ينكرون أدنى فعالية لشتى ضروب الأنشطة العقلية، بل إنه من خلال العلم ذاته ينظر بعين الاعتبار لسائر تلك الضروب، وعلى رأسها جميعا الميتافيزيقا.
وهو أحد المعاصرين القلائل - إن لم يكن الوحيد بعد رحيل رسل - الذين تتميز بحوثهم بالسمة شبه الموسوعية، لا نجد ميدانا من ميادين النشاط العقلي لم يسهم فيه بوبر، له بحوث في العلم، لا سيما الفيزياء البحتة ونظرية الكوانتم، ونظريات في فلسفته ومناهج بحثه، وهو مجدد في المنطق ونظرية المعرفة، ومبدع في الميتافيزيقا، أما نظريته السياسية، فهي من أشهر ما اشتهر به، وقيل إن كتابه: «المجتمع المفتوح وخصومه» من أهم منجزات القرن العشرين في مجال الفلسفة السياسية والاجتماعية، وقد أردفه بعمل آخر هو «عقم النزعة التاريخية» الذي كتب عنه الناقد آرثر كوستلر
Arthur Koestler
في مجلة التايمز البريطانية يقول: إنه العمل الوحيد في مناهج العلوم الاجتماعية الذي سيخلد إلى ما بعد هذا القرن.
Halaman tidak diketahui
3
ورغم ذلك فبوبر يؤكد في كل مناسبة أن اهتمامه الأساسي هو فلسفة العلوم الطبيعية.
4 (5) وفلسفة بوبر - رغم دقتها وصرامتها الأكاديمية - تتخطى الحدود الأكاديمية وتؤثر تأثيرا فعالا في الحياة العملية، فنجد مثلا: (أ)
العلماء التجريبيون الحاصلون على جائزة نوبل - أمثال سير بيتر ميداوار، وجاكس مونود، وسير جون إكسلس - يؤكدون أنهم وصلوا إلى تلك النتائج العلمية الباهرة بفضل اتباع تعاليم بوبر المنهجية، والاسترشاد بفلسفته للعلوم؛ إذ كانت نصيحة إكسلس
John Eccles
للعلماء الآخرين هي أن «يقرءوا ويتأملوا كتابات بوبر عن فلسفة العلوم وأن يتخذوا منها أساسا للعمل في حياة الفرد العلمية.» (ب)
لم يتبن هذا الرأي العلماء التجريبيون فقط؛ فعالم الفلك البحت والرياضي الشهير سير هيرمان بوندي
Sir Herman Bondi
قال: «ببساطة ليس العلم شيئا أكثر من منهجه، وليس منهجه شيئا أكثر مما قاله بوبر.» فأثر بوبر إذن امتد ليشمل كلا من العلماء التجريبيين وعلماء العلوم البحتة. (ج)
وليس العلماء فقط، بل وبعض رجال السياسة من الوزراء البريطانيين في كل من الحزبين الأساسيين؛ حزب المحافظين وحزب العمال، على سبيل المثال: سير أنطوني كروسلاند، وسير إدوارد بويل
Halaman tidak diketahui
E. Boyle
يقرون أن أيديولوجياتهم السياسية متأثرة تماما بفلسفة بوبر. (د )
وبوبر أحد عشاق الفن ومتذوقيه ، يلعب الفن ولا سيما الموسيقى دورا كبيرا في حياته، ورغم أنه نادرا ما يتعرض في فلسفته للفن، فإن أثره يمتد حتى مؤرخي الفن؛ فمؤرخ الفن الكبير سير إرنست جومبريش
Sir Ernest Gombrich
يقول في كتابه «الفن والخداع
Art and Illusion » إنه سيشعر بالفخر لو أحس القارئ بأثر بوبر يشيع في كل مكان من هذا الكتاب.
5 (ه)
أما أشعيا برلين
Isaiah Berlin
فيصرح في كتابه الشهير عن سيرة كارل ماركس - وله ترجمة عربية - أن نقد بوبر للماركسية يمثل أخطر ما قد وجه لها من نقد حتى الآن. وهو يعتقد مع بريان ماجي أنه لا يمكن أن يطلع أحد على نقد بوبر للماركسية ويظل على اقتناع بمبادئها. (6) وإيراد الشواهد التي تثبت أن أهمية بوبر لا يقربها أي فيلسوف آخر من الفلاسفة الأحياء لا نهاية له، ولكن الغريب حقا أنه لا يتمتع بالشهرة الكافية، ولا يلقى ما يستحقه من التقدير، خصوصا في عالم الدراسات الفلسفية العربية؛ إذ لا يتبين الكثيرون فلسفته بوضوح، فضلا عن أنه شبه مجهول لمثقفي العربية العاديين.
Halaman tidak diketahui
لذلك سيحاول هذا البحث سد فجوة كبيرة. (2) سيرة الفيلسوف وأعماله (1) وقد ولد كارل ريموند بوبر، في فيينا، في 28 يوليو عام 1902م، لأسرة نمساوية خليقة بأن تنجب فيلسوفا، فهذا أبوه «دكتور سيمون سيجموند كارل بوبر» حاصل على درجة الدكتوراه، وكذا أخوه، وكان أستاذا للقانون في جامعة فيينا، ومحاميا. ويبدو أنه كان مثقفا ثقافة رصينة، حتى إننا لا نجد - كما يخبرنا الابن كارل بوبر - حجرة واحدة في منزله غير مكتظة بالمراجع العلمية، وأمهات الكتب الفلسفية وآيات التراث الإنساني، باستثناء حجرة المعيشة، وكانت بدورها مكتظة بمكتبة موسيقية تحوي أعمال باخ وهايدن وموزار وبيتهوفن وشوبيرت.
6
ويبدو أن الرجل - كما نلاحظ من متفرقات في السيرة الذاتية لبوبر - كان حريصا على تنشئة ابنه؛ فهو الوحيد بين ثلاث أخوات، فمنذ نعومة أظفار الصبي كارل بوبر ووالده يحفزه على قراءة الكتب الفلسفية الكلاسيكية، ويناقشه في مشاكل اللامتناهي والماهية والجوهر، وحينما تعييه حذلقة الصبي يعهد به إلى عمه ليستأنف المناقشة.
أما عن أمه «جيني ني شيف، جيني بوبر» فهي تنتمي لأسرة تسري في دمائها الموهبة الموسيقية، كانت هي وشقيقاتها شأن غالبية مواطني النمسا - عاصمة الألحان الرائعة وكعبة الموسيقى - عازفات ماهرات على البيانو، أختها الكبرى وأبناؤها الثلاثة عازفون محترفون؛
7
لذلك نجد الموسيقى تلعب دورا كبيرا في حياة الابن بوبر، فهو متذوق لها وعازف على البيانو، مما ساعده على صقل شخصيته وإرهاف مشاعره، وهو يخبرنا في تفصيلات مسهبة كيف أن الموسيقى الأوروبية المتعددة النغم
كانت ملهما لبعض اتجاهاته الفكرية.
8 (2) والحق أن كل ما في سيرة الفيلسوف مدعاة للإجلال والإكبار، فهو ذو حس إنساني رفيع، شديد التعاطف مع مظاهر البؤس والحرمان والشقاء، وكانت منتشرة في أحياء فيينا الفقيرة - نتيجة حرب أهلية - إبان صبا الفيلسوف، وكان أول حب خفق له قلبه وهو طفل صغير، يرفل في الخامسة من عمره لطفلة صغيرة في روضة أطفال ذهب إليها مرة واحدة، وبرؤية وجهها انفطر قلب الطفل بوبر، وهو لا يدري، ألروعة ابتسامتها الأخاذة؟ أم لمأساة كف بصرها؟
وحينما شب عن الطوق ورث عن أبيه العمل الاجتماعي من أجل الأطفال المهملين والأيتام.
ولما وضعت الحرب الأولى أوزارها (1919-1920م) ترك منزل والديه - رغم توسلاتهما - كي يستقل بنفسه، وكي لا يشكل عبئا عليهما؛ فقد أصبح أبوه شيخا جاوز الستين، فقد كل مدخراته في التضخم المالي الذي استشرى في أعقاب الحرب،
Halaman tidak diketahui
9
وأقام في مبنى قديم لمستشفى عسكري مهجور، حوله الطلبة لبيت طلاب بدائي جدا، فعمل بغير أجر في عيادة النفساني ألفرد أدلر، وبأجور زهيدة في أعمال أخرى كمساعد نجار أو تدريس أو تدريب لطلبة أمريكيين، ولم يكن يدخن أو يحتسي خمرا، كان يأكل قليلا ويرتدي رث الثياب، المتعة الوحيدة التي لم يستطع التخلي عنها هي التردد على حفلات الموسيقى السيمفونية، وكانت التذاكر رخيصة ولا سيما وأنه كان يستمع واقفا.
وبخلاف العمل الاجتماعي من أجل الأيتام، والموسيقى، كان اهتمام بوبر الثالث هو الفلسفات السياسية اليسارية، فقد أمضى إبان مراهقته ثلاثة أشهر ماركسيا، ولكنه انقلب بحماس إلى الاشتراكية الديمقراطية.
10 (3) أما عن دراساته، فكان بوبر يحضر محاضرات علوم مختلفة في جامعة فيينا؛ التاريخ، الأدب، علم النفس ، الفيزياء ... بل حتى العلوم الطبية، لكنه سرعان ما ترك هذا وقصر حضوره على محاضرات الفيزياء النظرية والرياضة البحتة، حيث كانت المحاضرات رائعة بحق.
11
وفي عام 1922م أصبح طالبا منتظما مقيدا بالجامعة، فأمضى عامين للحصول على إجازة للعمل في المدارس الابتدائية، حصل عليها إبان عمله كنجار، لكنه واصل دراساته حتى حصل على إجازة التدريس في المدارس الثانوية من معهد
Institution ، كان قد أنشئ حديثا وهو مستقل ولكنه مرتبط بالجامعة، حيث كانت بعض مقرراته إجباريا كعلم النفس، والبعض الآخر اختياريا،
12
في هذا المعهد تعرف بوبر على محبوبته، التي أصبحت زوجته حتى الآن، وما فتئ بوبر في كل موضع ينوه بفضلها، وفضل حبهما العظيم عليه. (4) وبعد تخرجه من الجامعة استأنف دراساته حتى حصل على شهادة
D.
Halaman tidak diketahui
في الفلسفة، وكسب عيشه من العمل كمدرس طبيعة ورياضة في المدارس الثانوية، ولم يكن هذا شيئا يسيرا في النمسا آنذاك.
ونظرا لأنه ينحدر من أصول يهودية، فقد اضطر إلى الهجرة من النمسا عام 1937م؛ خوفا من النازية واتجه إلى نيوزيلاند حيث قضى سني الحرب وظل يدرس الفلسفة في جامعتها حتى عام 1945م، وفي عام 1946م هاجر إلى إنجلترا واستقر في إحدى ضواحي لندن - حتى الآن - إذ عمل أستاذا للمنطق ومناهج العلوم في جامعة لندن، وفي عام 1965م منح رتبة شرف في المجتمع الإنجليزي (لقب سير) وفي عام 1969م بلغ سن التقاعد. (5) أما عن أعماله: فقد بدأت بكتاب «منطق البحث العلمي»، وقد صدر بالألمانية عام 1933م وهو من أكثر كتب بوبر إيغالا في منطق العلم وفلسفته بالمعنى الفني الدقيق، وقد صدرت له ترجمة إنجليزية عام 1959م، بعنوان «منطق الكشف العلمي» وهي مصحوبة بملحق مطنب تحت عنوان «بعد عشرين عاما»، ولو كانت قد ظهرت هذه الترجمة قبل ذلك بربع قرن، لكان وجه الفلسفة الإنجليزية على صورة مغايرة تماما. مع ملاحظة أن بوبر يتقن اللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية واللاتينية واليونانية فإن كتبه بعد ذلك كلها بالإنجليزية؛ لأنه اتخذ من إنجلترا موطنا، وهي «المجتمع المفتوح وخصومه » في جزأين عام 1946م، حيث ينادي بالديمقراطية الليبرالية، المفتوحة للمناقشة النقدية لكافة أنواع حلول المشاكل، ويحارب فيه الديكتاتورية وكافة الفلسفات المغلقة التي تحاول أن تحدد النظام السياسي الاجتماعي بأيديولوجية محددة، وأبرز الأمثلة: أفلاطون وهيجل وماركس، الذين ينقدهم بوبر نقدا لا يبقي منهم ولا يذر، ثم أعقبه «بعقم النزعة التاريخية» وهو أصلا مجموعة مقالات رفضت مجلة مايند
Mind
نشرها، وهو يكاد يكون ملحقا للمجتمع المفتوح؛ لأن بوبر ينقد فيه الاتجاه الفلسفي المعتقد في مسار محتوم للتاريخ، الذي يرى أن وظيفة العلوم الاجتماعية هي التنبؤ بهذا المسار، وواضح أن المجتمع المغلق يستند على الدعوى بمسار محتوم للتاريخ، ويريد أن يغلق المجتمع على أساس حدود هذا المسار.
13
وقد أخرج بعد ذلك: «الحدوس الافتراضية والتفنيدات»
Conjectures and Refutations
نمو المعرفة العلمية عام 1963م، ثم «المعرفة الموضوعية: تناول تطوري»، وهما مجموعتان من المقالات، تدور حول مختلف جوانب فلسفته، وبالطبع الجانب الإبستمولوجي العلمي هو البارز، وهذه المقالات كان قد سبق نشرها من قبل في المجلات المتخصصة والأوساط الفلسفية المختلفة، وبالطبع يوجد خلافا لها مقالات أخرى لم تنشر في كتاب كامل، أو نشرت كجزء من كتاب بالاشتراك مع آخرين، وحينما أخرج بول آرثر شيلب في مكتبته الثمينة عن الفلاسفة الأحياء، مجلدين قيمين عن فلسفة بوبر، استهل بوبر الجزء الأول بسيرته الذاتية العقلية، نشرها بعد ذلك في كتاب مستقل، كما ختم الجزء الثاني بردود مسهبة على نقاده، كما هو متبع في هذه السلسلة. وفي العام الماضي أخرج كتابين هما «النفس ودماغها» مشاركة مع جون إكسلس، ويدور حول مشكلة العقل والمادة، ثم كتاب «الفلسفة والفيزياء».
هذه هي أعماله التي طرحها حتى الآن، ما زال يعمل في كتب أخرى، ويؤكد أصدقاء الفيلسوف المقربون أن لديه كثيرا من الأعمال حبيسة أدراجه يحجبها عن الناشرين لاقتناعه بأن هناك دائما متسعا من الوقت لمزيد من التحسينات والإضافات. (6) تلك خلاصة لسيرة حياة الفيلسوف، مسار أعماله، أما موقفه الفلسفي فمن الأليق الحديث عنه في الخاتمة، بعد أن نتعرف تماما على بوبر من سياق تفاصيل البحث. (3) مشكلة تمييز المعرفة العلمية (1) وقد تناولنا فلسفة العلم عند كارل بوبر عن طريق مشكلة هي بالنسبة لهذه الفلسفة نقطة البدء، وتخطيط الطريق والهدف المنشود، ألا وهي مشكلة وضع معيار يحدد متى تكون النظرية علمية ومتى لا تكون، وقد تبدو غريبة لأنها غير مألوفة، ولم تطرح من قبل في المكتبة العربية، وهذا هو الغريب حقا، فالمفروض أن هذه المشكلة هي الأساسية، وهي التي تحدد نطاق باقي المشاكل، إنها بحق المحور الجوهري بالنسبة لكل من: (أ)
الأيدلوجية الحضارية المعاصرة. (ب)
Halaman tidak diketahui
العلم. (ج)
فلسفة العلم. (د)
فلسفة بوبر. (أ)
بالنسبة للحضارة المعاصرة، فهي الحضارة العلمية التي أثبتت الفائدة القصوى للعلم ماديا ومعنويا، فجعلته يتبوأ أرفع منزلة معرفية، أصبح كل نشاط يطمح إلى مثل هذه المنزلة يتسمى بمصطلح العلم، غير أن هذا المصطلح شأنه شأن سائر المصطلحات ذات القيمة العليا: الحرية، الديمقراطية، الحقيقة ... مبهمة وغير واضحة، فلا بد وأن نتساءل: ما هو العلم؟ هل هو النشاط الذي يضم علم الكف وعلم الفيزياء البحتة، وعلم التحليل النفسي، وعلم التنجيم، وعلم الديناميكا الحرارية ... أم أن بعض هذه الأنشطة علوم حقيقية، والبعض الآخر علوم زائفة أي أشباه علوم
، ما هو العلم الحقيقي وكيف يمكننا تحديده؟ ... الإجابة على هذا بحل مشكلة التمييز. (ب)
وهو حل يعني العلم ذاته، لا بد وأن يتبين العالم ما هي حدود عمله، ما هي النظريات العلمية الحقة التي يأخذ بها، وكيف يمكنه تحديد الحدود التي يطرح فيها الفروض، فلا يطرح فرضا غير علمي لحل مشكلة علمية. (ج)
وهي بالتالي أساسية لفلسفة العلم، فهي شأنها شأن أية فلسفة أخرى، تحاول فهم ظاهرة مجالها «الأخلاق، السياسة، الدين، الجمال ...» فهما يضم بين شطآنه سائر جزئيات الظاهرة محاولا الارتفاع عنها ارتفاعا يليق بعمومية الفلسفة وكليتها، ويمكنها من تجاوز ما هو كائن؛ لتصور ما ينبغي أن يكون، إنها محاولة لفهم ظاهرة العلم، وهي حديث يأتي بعد العلم نفسه لأنه حديث عنه؛ لذلك يسمى باللغة البعدية
Meta Language
لغة فلاسفة العلم، المتميزة عن اللغة الشيئية
Object Language
Halaman tidak diketahui
التي هي العلم نفسه محتواه المعرفي، أي عمل العلماء أنفسهم . إذا صدق هذا، وصدق أيضا أن الإبستمولوجيا مبحث رحب واسع عريق عراقة الفلسفة ذاتها، يبحث فيما يمكننا أن نعرف، أيا كان: الله المطلق، الطبيعة ... وكيف يمكن معرفته وبأية وسيلة: العقل، الحس، الحدس، الإلهام الصوفي ... وأن فلسفة العلم بدورها فرع متطور محدد جدا من الإبستمولوجي يبحث فقط في الأسس المنطقية والفلسفية لنمط معين مخصوص جدا من المعرفة، إذا صدق كل هذا، وجب على فلسفة العلم أن تعرف كيف تميز هذا النمط، أي العلم، عن بقية أنماط الإبستمولوجي العديدة، وإنه حد لمختلط بها، «فكلمة العلم
Science
مشتقة من الكلمة اللاتينية
Scire
ومعناها أن يعرف؛ لذلك فالعلم إذا أخذ بمعنى فضفاض،
14
كان يدل على ما نعرفه، وعلى مجموع المعرفة البشرية بأسرها.»
15
والعرب أيضا يطابقون بين العلم والمعرفة، فيقولون: علم الشيء بالكسر (كسر اللام) يعلمه علما، أي: عرفه،
16
Halaman tidak diketahui
أي من الناحية الفيلولوجية، ليست هناك حدود بين العلم وبين المعرفة، وإن كان العرف الإسلامي قد جرى على أن ينسب إلى الله تعالى العلم لا المعرفة فنقول: «عليم» بينما ينسب إلى العبد المعرفة فقط، وهذه لفتة ثاقبة؛ لأن العلم أرسخ من المعرفة، والعلم - لا المعرفة - هو الذي ينقض الجهل، ولكنها للأسف لم تقنن ترمينولوجيا بما يكفي وحتى المصطلح الفلسفي للعلم يرادف بينه وبين المعرفة؛ فالعلم «هو الإدراك مطلقا تصورا كان أو تصديقا، يقينا كان أو غير يقيني، وقد يطلق على التعقل، أو على حصول صورة الشيء في الذهن، أو على الإدراك الكلي مفهوما كان أو حكما، أو على الاعتقاد الجازم المطابق للواقع أو على إدراك الشيء على ما هو به، أو على إدراك حقائق الأشياء وعللها، أو على إدراك المسائل عن دليل، أو على الملكة الحاصلة عن إدراك تلك المسائل، والعلم مرادف للمعرفة لكنه يتميز عنها.»
17
فكيف لنا أن نميزه؟
إن مشكلة التمييز إذن أساسية في فلسفة العلم، أو على حد تعبير بوبر هي المشكلة الأساسية التي تتفرع عنها كل المشاكل الأخرى في فلسفة العلم.
وعلى هذا تتفق جميع الأطراف المعنية على ضرورة تمييز العلم، على ضرورة الإجابة على التساؤل: ما هو العلم؟ فكيف يمكن مثل هذا التمييز؟
أولا وقبل كل شيء، فكرة التعريف الجامع المانع قاصرة، وهي مستحيلة، فلو قلنا مثلا: العلم هو البحث عن الحقائق، لكانت الجاسوسية علما. أو قلنا: هو بناء نسقي من المعلومات الواقعية، لكانت شجرة العائلة علما ... أو هو بناء نسقي من المعلومات الواقعية المفيدة، لكان دليل التليفون علما ... وهكذا يستحيل وضع تعريف يحصر جميع الأنشطة العلمية ويميزها، وهذا شيء يكاد يكون مسلما به، فهل يمكن مثلا تمييز العلم بواسطة مجموعة من الخصائص، كأن نقول: هو النشاط الذي يتسم: بالعمومية والموضوعية والتجريد والنسقية وثبات الصدق، والتسليم ببعض مبادئ معينة،
18
بالطبع هذه محاولة ليست أقل قصورا من فكرة التعريف، فبغض النظر عن أن العلم ليس ثابت الصدق، وليس هناك أية مبادئ معينة من الضروري التسليم بها، فإنه من الممكن مثلا تناول مشكلة شخصية تناولا موضوعيا، كما يمكن تكميم ميزانية الشركة بل وسائر أنشطتها، ويمكن تجريد خطوط الرسم في لوحة فنية ... إن الصفات كيفية، وهي فضفاضة يمكن أن تجتمع في أي نسق، وهو ليس علميا، لا سيما وأن أنساق العلوم الزائفة تقوم على تنسيق عقلاني خلاب، وإلا فلماذا نخشى اختلاطها بالعلم؟ العلم نشاط دقيق، فلا بد وأن يكون تمييزه على أساس دقيق دقته، إن لم يكن أكثر، بعبارة أخرى: لا بد من تمييز العلم على أساس منطقه، أي منهجه. (2) ولو رمنا مثل هذا التمييز؛ لوجدنا أن نظرية كارل بوبر، تمييز العلم على أساس قابليته المستمرة للتكذيب هي أصوب وأدق ما طرح حتى الآن من معايير لتمييز العلم، والأهم أنها لا تميز فحسب، فنظرية التكذيب - كما سيوضح الباب الثالث - هي أوفى وأشمل دراسة ميثودولوجية للبنية المنطقية للنظرية العلمية، توضح أفضل منهج للتعامل معها، كي نصل بها إلى الصورة المثلى الممكنة. لكل ذلك كانت هي المدخل الأمثل لدراسة نظرية بوبر في فلسفة العلم الطبيعي، لا سيما أنها، كما يقول بوبر نفسه: كانت نقطة البدء في هذه الفلسفة، كما ظلت دائما مركزها.
19
وإن لم يكن بوبر أول من أثارها، فأول من فعل ذلك بوضوح هو إيمانويل كانت؛ لذلك يسميها بوبر مشكلة كانت؛ لأنه أول من انشغل بمشكلة الحدود التي تميز العلم التجريبي، وأول من تساءل عن معيار يحدد العبارات التي تنتمي للعلوم التجريبية، ويميزها عن تلك التي لا تنتمي لها، وتنتمي للميتافيزيقا مثلا. (3) أما الذي جعلها نقطة البدء، فهو أن بوبر قد نشأ في جو يسيطر عليه سقوط الإمبراطورية النمساوية، وقيام ثورات ملأت الجو في النمسا بشعارات وأفكار ثورية ونظريات جديدة، ثار حولها الكثير من الجدل والهراء، لا سيما:
Halaman tidak diketahui
النظرية النسبية.
النظرية الماركسية في التاريخ.
نظرية فرويد في التحليل النفسي.
نظرية أدلر في علم النفس الفردي.
كان الإعجاب شائعا بعلمية النظرية الماركسية، ونظريات فرويد وأدلر وقوتها البادية، حتى بدت هذه النظريات وكأنها قادرة عمليا على شرح كل شيء يحدث في مجالات بحثها، فلا بد وأن تجد الحالات التي تؤكدها في كل مكان، وامتلأت الدنيا بإثباتات لها، وأيا كان ما يحدث فهو دائما يؤكدها، لقد ظهر صدقها جليا، واتضح أن المنكرين كانوا قوما لا يريدون أن يروا الصدق الجلي، أو رفضوا أن يروه، إما لأنه ضد مصالح طبقتهم، وإما هو بسبب عقد مكبوتة لديهم.
ولم تكن المنزلة العلمية للنسبية - التي جذبت بوبر بشدة - قد ثبتت بعد، لكن بوبر كان ضمن مجموعة من الطلبة يدرسون نتائج ملاحظات آدنجتون عن الخسوف، التي جلبت عام 1919م أول تحقيق هام لنظرية آينشتين في الجاذبية، في حين أنه كان مغامرة، كان يمكن جدا أن تجلب ملاحظات آدنجتون عكس ما توقع آينشتين؛ مما يعني ببساطة أن النظرية مرفوضة؛ لأنها غير متوائمة مع نتائج معينة محتملة للملاحظة، وهي في الواقع نتائج كان يمكن أن يتوقعها أي باحث قبل آينشتين.
ألحت مشكلة التمييز بشدة على بوبر، ومن جراء هذا بدا له من السهل جدا الحصول على وقائع تؤيد أية نظرية، وأن القوة البادية لنظريات فرويد ويونج وأدلر على شرح كل شيء، هي في الواقع مكمن ضعفها الحقيقي،
20
فهي غير قادرة على التنبؤ بأي شيء؛ إذ إن العسير حقا هو وضع النظرية في موقف يستطيع منع حدوث وقائع معينة، يمكن جدا أن تحدث فتكذبها.
على هذا توصل إلى أن إمكانية تكذيب
Halaman tidak diketahui
Falsifiability
النظرية إمكانية تصادمها، أي تعارض النتائج المستنبطة منها مع وقائع ملاحظة ممكنة الحدوث منطقيا هي المعلم المميز للعلم الطبيعي، معلم يرسم حوله حدودا تحدد صورته المنطقية، بوصفه النسق الوحيد - بين أنساق عدة - القادر على إعطائنا قوة شارحة، مضمون معرفي ومحتوى إخباري، عن العالم التجريبي الواحد والوحيد الذي نعيش فيه، القابلية للتكذيب هي التي تميز العلم التجريبي دون سواه، فتفرده عن العلوم الزائفة، وعن الميتافيزيقا، وعن المنطق والرياضة ... وعن سائر الأنشطة العقلية التي لها دورها العظيم، وربما الأعظم في بناء الحضارة، وتقدم الإنسان ولكن اختلاطها، بالعلم الطبيعي، ادعاءها القدرة الإخبارية عن العالم التجريبي، من شأنه أن يلحق الضرر بالحضارة المعاصرة وبالعلم وبالفلسفة، ولا سيما أن العلوم الزائفة
كالتحليل النفسي مثلا، تقوم على تنسيق عقلاني خلاب، يجعلها تتشح بوشاح العلم، في حين أنها مجردة من أية قوة شارحة معرفية، إنها دجل العصور الحديثة، المناظر للتنجيم والسيمياء، دجل العصور الغابرة.
معيار القابلية للتكذيب، يكشف عن كل هذا، إذ يميز العلم، ويعطينا صورة المنهج الأمثل للتعامل معه. (4) لكن ليس من السهل قبول هذا المعيار.
أولا: هناك رأي شائع مؤداه أن النظرية تكون علمية، إذا كنا قد أتينا بها عن طريق المنهج الاستقرائي، أي لو كانت تعميما لوقائع مستقرأة من العالم التجريبي، فلا بد وأن تكون إخبارا عن هذا العالم، غير أن بوبر يرى أن عملية التعميم الاستقرائي هذه مستحيلة الحدوث أصلا، فكيف لها أن تميز العلم؟
لذلك أفردنا الباب الأول لمناقشة المنهج الاستقرائي، وإثبات أنه محض خرافة، وأن منهج العلم الحقيقي، منهج المحاولة والخطأ النقدي، لا يميز العلم فقط، فهو منهج كل نقاش عقلاني، وأي نشاط مجد أو مثمر.
ثم أفردنا الباب الثاني للوضعية المنطقية وموقف بوبر منها، فصلب هذا المذهب هو المعيار الذي يفصل بحسم قاطع بين الأحاديث التي تنصب على الواقع الحسي التجريبي وبين الأحاديث أو الثرثرة الميتافيزيقية التي تتجاوزه، وهذا فقط لأن العلم يقصر أحاديثه على الواقع التجريبي وقد بذلوا محاولات عدة لإقامة مثل هذا المعيار ، أشهرها معيار التحقق كما وضع كارل همبل معيار القابلية للتأييد، ووضع رودلف كارناب نسقا اصطناعيا للغة، أو مشروعا له، يحاول استيعاب العلم واحتواءه ونبذ كل ما عداه، كما وضع فتجنشين محاولة متأخرة.
كل هذا بالإضافة إلى أن الوضعية المنطقية أهم المؤثرات الفلسفية على بوبر، فقد هيمنت على الجو الفلسفي الذي نشأ فيه، كما أن بوبر بدوره من أهم المؤثرين على هذا المذهب، كما يرى الوضعي المنطقي فيكتور كرافت، أو هو بالأصح من أقسى نقاده، كما يرى الوضعي المنطقي أوتونيورات.
لهذا كان الباب الثاني للوضعية المنطقية، ونقد بوبر الشامل والمحيط لها ولمعاييرها لتمييز العلم، لتنتهي في النهاية إلى أن هذه المعايير محاولات فاشلة، بل وأن المذهب نفسه فاشل.
حتى إذا وصلنا إلى الباب الثالث «معيار القابلية للتكذيب»، ألفينا أنفسنا بإزاء المعيار الأصوب لتمييز العلم؛ لأن قوام العلم هو منهجه، ومنهجه هو منهج أية مناقشة عقلانية أي المنهج النقدي الساعي دوما إلى حذف الخطأ وتقليل نطاقه، أي تقليل مواطن الكذب، والذي جعل العلم يتقدم هذا التقدم الفائق إنما هو - وهو فقط - معلمه المميز الداخل في نسيج منطقه، أي القابلية للتكذيب، فقد تتم محاولة التكذيب وقد لا تتم، وقد تتم في وقت لاحق، المهم هو الإمكانية المنطقية لها، الإمكانية المنطقية لاكتشاف الخطأ والوصول إلى الأقرب من الصدق، وبالتالي التقدم المستمر نحو الحقيقة.
Halaman tidak diketahui