Falsafat Ibn Sina
الناحية الاجتماعية والسياسية في فلسفة ابن سينا
Genre-genre
9
وهذا الفصل الرابع، وهو الأخير من الفصول التي اخترناها لهذه المناسبة للنشر والتحليل والمقارنة، يخصصه ابن سينا للحديث عن الخليفة أو الإمام الذي يخلف السان أو الشارع، نعنى عن الشروط الواجب توفرها فيه، وعن وجوب طاعته، ثم عن وجوه من السياسات العامة والمعاملات والأخلاق التي تؤدي إلى السعادة.
إنه يذكر أولا أنه يجب أن يفرض السان طاعة من يخلفه على المدينة، وألا يكون الاستخلاف إلا من جهته أو بإجماع من أهل الرأي والسابقة، والاستخلاف بالنص أصوب فإن ذلك لا يؤدي إلى التشعب والتشاغب والاختلاف. ثم هذا الخليفة أو الإمام لا بد أن يكون إنسانا ممتازا؛ ولذلك يشترط فيه أن يكون مستقلا بالسياسة، أصيل العقل، متخلقا بشريف الأخلاق، كالشجاعة والعفة وحسن التدبير، وأن يكون مع هذا كله عارفا بالشريعة حتى لا أحد أعرف منه.
10
ويتشدد «ابن سينا» في رعاية هذه الشروط فيمن يختار للإمامة، حتى ليقول بأنه إذا أجمعت الأمة على ولاية غير المستحق الفاضل كان ذلك كفرا بالله، كما يوجب قتال وقتل الخارج على المستحق للخلافة مستندا بفضل قوة أو مال، وأن من قدر على قتاله ولم يفعل كان عاصيا لله كافرا به أيضا. على أنه في حالة تصحيح الخارج أن المتولي للخلافة غير أهل لها، كان الأولى أن يطابقه أهل المدينة، وحينئذ يتعاون الاثنان في الحكم والتدبير، ويتعاضدان ويكمل أحدهما الآخر، ويكون في ذلك الخير للمدينة.
11
وهناك ضرب من العبادات والمعاملات يجب ألا يتم إلا بالخليفة، تنويها بها وتعظيما للخليفة نفسه، وذلك مثل الأعياد والمشاركات الكلية. ولعل فيلسوفنا يريد بهذه الشركات والجمعيات العامة ذوات الخطر في حياة الأمة.
12
ولأنه كان رجلا عمليا، ومترجما صادقا لروح عصره، ومن هنا كان له أثره العظيم في التاريخ، نراه لا ينسى أنه كان هناك حينذاك دول عديدة ذات علاقات مشتركة، وإذن ينبغي ألا يتعرض بسوء لما قد يكون هناك من مدن أخرى، خلاف المدينة الفاضلة، ما دام كل منها يسير على سنة حميدة، اللهم إلا إذا كان هناك ما يوجب التصريح العلني بألا سنة طيبة حميدة غير السنة النازلة من عند الله، أي السنة التي عليها المدينة الفاضلة. لكن إذا كذب أهل مدينة من تلك المدن المشرع في دعواه عموم الشريعة، وجب تأديبهم، على ألا يبلغ ذلك تأديب أهل الضلال الصرف.
وفيلسوفنا يعرف، معرفة تستند إلى الواقع والتجربة، أن الله يزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن، وأن هناك كثيرا لا تخالط من أول الأمر قلوبهم حلاوة الطاعة والفضيلة وفعل الخير حتى يعملوا ذلك من أنفسهم تقديرا للفضيلة وحبا لها؛ لذلك يوجب فرض عقوبات دنيوية على من لا يقف عند أوامر السنة ونواهيها، فليس كل إنسان ينزجر لما يخشاه في الآخرة .
Halaman tidak diketahui