وبعد ميخائيل سكوت قام هرمان الألماني فحذا حذوه محميا من الإمبراطور - أيضا - والأرجح أنه اعتمد في ترجمة كتبه على بعض عرب الأندلس العارفين باللغة العربية الفلسفية.
وقد ذكرنا في أثناء الكلام على تاريخ الفلسفة الرشدية عند اليهود المترجمين الذين حماهم هذا الإمبراطور لترجمة فلسفة ابن رشد. وقد استمر المترجمون بعد ذلك يستغلون تحت حماية هذا الإمبراطور.
1
حتى أنه ما انتصف القرن الثالث عشر حتى كانت جميع كتب ابن رشد المهمة قد ترجمت إلى اللغة اللاتينية. أما كتبه الطبية؛ فإنها لم تنشر إلا بعد كتبه الفلسفية.
ولما نفذت فلسفة العرب إلى أوروبا، وانتشرت بين أيدي الناس في الكليات والمدارس والمكاتب والجمعيات، وذلك قبل بلوغ فلسفة ابن رشد فيها أوج النفوذ والسلطان، اشتغل الأكليروس الأوربي بمقاومتها؛ لأن أصولها مخالفة لقواعد الأديان الموجودة. وأول مقاومة حدثت في وجهها كانت في المجمع الأكليريكي الذي عقد في باريز في عام 1209؛ فإن هذا المجمع حكم على المشتغلين بها وهم أموري ودفيد دي دنيان وتلامذتهما وشجب «تعليم أرسطو الطبيعي وشروحه» وربما كان في هذه الكلمة «الشروح» إشارة إلى شروح ابن رشد؛ لأن كلمة «الشارح» على الإطلاق لا تطلق على سواه. ومهما يكن من هذا الأمر؛ فإن هذا المجمع إنما كان غرضه ضرب أرسطو الداخل إلى بلادهم بواسطة العرب، مترجما عن العرب ومشروحا من العرب.
وفي عام 1215 حرم الأكليروس تعليم أرسطو - أيضا - خصوصا (تلاخيص ابن سينا). وفي عام 1231 أصدر البابا غريغوريوس التاسع حرما بمنع درس فلسفة العرب.
وكان السبب الذي جعل الأكليروس يقومون على فلسفة العرب نفس السبب الذي جعل المسلمين واليهود يقومون عليها قبل ذلك. فإن هذه الفلسفة تجعل للعالم نواميس طبيعية ومن عقائدها أن العالم قديم أزلي غير مخلوق منذ بعضة آلاف من السنين فقط وإن الخالق لا يصنع شيئا في الكون إلا بسبب «لازم». وكان رجل الدين يومئذ لم يتعودوا سماع هذه النغمة؛ لأن العلم الطبيعي لم يكن قد رفع الغطاء عن النواميس الطبيعية. ولذلك؛ فقد كانوا يومئذ معذورين في إنكارها. وإنما ذنبهم الوحيد الاضطهاد لا الإنكار. أي الرغبة في خنق الفكر؛ لأنه يعتقد اعتقادا مخالفا لمعتقدهم.
ولكن من حسن حظ أوربا أنها لم تصر على هذا الخطأ الفاضح؛ فإن اللاهوتيين فيها اضطروا بحكم الضرورة إلى تغيير سياستهم في مقاومة الفلسفة مقاومة عمياء، وصاروا يتخذون منها سلاحا لمحاربتها به. فقام غيليوم دوفرن وحمل على فلسفة العرب خصوصا ابن سينا حملة شديدة، فسماه: «المجدف القاذف»، ولكنه كان يقول عن ابن رشد: «إنه فيلسوف رزين عاقل وإنما سوء فهم تلامذته شوه تعليمه». وكان هذا الرجل (غيليوم دوفرن) أول اللاهوتيين الذين يجوز أن يقال فيهم أنهم كانوا يعرفون فلسفة ابن رشد، ومع ذلك فقد كان أشد أعداء هذه الفلسفة مع كثرة ثنائه على صاحبها؛ لأنه كان من أشد أعداء الفلسفة العربية.
وبعد غيليوم دوفرن قام اللاهوتي ألبير الكبير، وكان من محبي ابن سينا وكان يعتبره أستاذا له. وأما ابن رشد؛ فإنه لم يكن يعبأ به، وإذا اتفق وذكره في كتاباته؛ فإنه لا يذكره إلا لتعنيفه على اجترائه على مخالفة الأستاذ الرئيس (ابن سينا) وقد رد ألبير الكبير على فلسفة العرب ردودا كثيرة. وبعد ألبير الكبير قام القديس توما الذي هو أكبر الخصوم الذين وجدتهم فلسفة ابن رشد في طريقها.
القديس توما
Halaman tidak diketahui