Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
نظرية الحركة البراونية.
أما عن الأولى، فإن الغاز الموجود في إناء مقفل - بالونة مثلا - يقوم بالضغط على جدران الإناء بدرجة واحدة في كافة جوانب الإناء، فيقع على سطح الإناء نفس الضغط الواقع على الأرضية، في حين أن السائل والجامد يمارس ضغطه على الأرضية فقط؛ لأن ضغط الماء مثلا يعزى إلى ثقله، أما ضغط الغاز فيعزى إلى أن الغاز يتألف من مجموعة كبيرة للغاية من الجزيئات التي أمكن اعتبارها كرات صغيرة متساوية، تتحرك حركة دائبة لا تنقطع، ويتصادم بعضها مع بعض، كما تتصادم مع الجوانب المحيطة بها، عددا كبيرا للغاية من المرات في كل ثانية. لذلك فدراسة الضغط الذي يبذله الغاز على جدران الإناء لا يتأتى بمعرفة مواضع جزيئات الغاز وسرعاتها معرفة تفصيلية دقيقة، كما علمتنا الفيزياء الكلاسيكية، فمن المستحيل دراسة حركات أي جزيء من جزيئات الغاز دون الدخول في معادلات يعجز العقل الإنساني عن تحديدها، بل هو عدد لا حصر له من المعادلات التي ينبغي صياغتها لتحديد حركة كل جزيء؛ لذلك لا سبيل إلى التنبؤ بتفاصيل حركتها، ولا إلى حساب طاقة كل جزيء على حدة؛ لما تمارسه من مصادمات وتغاير في الاتجاه لا ينقطع. أما لو حسبنا الطاقة الكلية الناجمة عن اصطدامات جزيئات الغاز البالغة التعدد، والتي تتحرك في سرعات هائلة غير منتظمة وفي جميع الاتجاهات لوجدنا أن الضغط على جدران الإناء يتناسب تناسبا قريبا جدا مع كثافة الغاز ومع مربع سرعة الجزيئات. على هذا لا يتأتى حساب ضغط الغاز بالمعرفة التفصيلية التحديدية، وإنما بمعرفة المتوسط الإحصائي لطاقة وحركة الجزيئات في وحدة حجمية معينة،
47
هكذا نجد النظرية الحركية للغازات تعني هي الأخرى أن المناهج إحصائية والنتائج احتمالية وضرورة هجران الحتمية.
ثم تفاقمت خطورة هذا الأمر حين اتضح أنه ليس مقصورا على الغازات، وإنما يمتد إلى المادة السائلة، كما أوضحت الحركة البراونية، نسبة إلى براون مكتشفها، والتي يمكن اعتبارها شرارة البدء في أزمة الفيزياء الكلاسيكية؛ لأنها الأسبق تاريخيا.
فقد كان أمين القسم الذي أصبح فيما بعد قسم النبات في المتحف البريطاني عالما اسكتلنديا يدعى روبرت براون
R. Brown (1773-1858م)، وكان قد أمضى بضع سنوات من شبابه في رحلة استكشافية بأستراليا، فجلب معه أربعة آلاف نوع من النبات ظل يدرسها طوال عشرين عاما. وفي صيف عام 1827م كان براون يستخدم الميكروسكوب في دراسة نبات
Clarkia Pulchella ، فلاحظ أن بعض الجزيئات الميكروسكوبية المتعلقة بالماء هي في حالة اهتزاز دائم، يحدث على منضدة متأرجحة أو على حامل ثابت، في الليل أو في النهار، في الريف أو في المدينة. وفي عام 1880م انتهت تجارب الأب البلجيكي إجناس كاربونيل
I. Carbonelle ، والعالم الفرنسي - المذكور آنفا - لويس جوي إلى أن هذا الاهتزاز ليس مقصورا على الماء، بل يتحقق في جميع السوائل، وأنه حركة دائبة في جميع الأحوال وتحت كل الظروف لا تكف أبدا. والأهم أنها ليست نتيجة لمؤثر ما، ولا تخضع لأي عامل خارجي، ولا تتوقف حتى على نوع الجزيئات، بل فقط على حجمها.
48
Halaman tidak diketahui