54

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Genre-genre

كثيرون من علماء الحياة رفضوا مفهوم القوى الحيوية، لكن أبا الفيزيولوجي الحديث كلود برنار

C. Bernard (1813-1878م) هو الذي أطاح تماما بمفهوم القوى الحيوية، حين وضع بدلا منه مفهوم البيئة الداخلية

Inner Environment

ليفسر قيام الجسم العضوي بوظائفه كوحدة منسجمة ، ولا يزال هذا المفهوم من أسس الفيزيولوجي الحديث، وكما أوضح برنار، الجهاز الوقائي - أو جهاز المناعة بمصطلحات القرن العشرين - في البيئة الداخلية العضوية الباطنة الخاصة بالإنسان والحيوانات ذوات الدم الحار، هو الذي يجعلها تبدي شيئا من الاستقلال عن ظروف البيئة الخارجية وعواملها من ماء وحرارة وهواء وضغط، وظواهر الحياة تنشط أو تفتر تبعا لهذه العوامل، لكن الحيوانات الدنيا لا تملك استقلالا حقيقيا عن البيئة الخارجية، وعلى أساس مفهوم البيئة الداخلية أكد برنار أن «الكائن الحي مجرد آلة مبنية بصورة ما من شأنها أن توجد اتصالا بين البيئتين الداخلية والخارجية»،

31

وأننا نستطيع أن نحلل الآلة الحية كما نحلل آلة جامدة لكل جزء من أجزائها دوره في الإطار المتكامل، أي إننا لن نعرف خواص المادة الحية إلا بنسبتها لخواص المادة الجامدة، فوجب أن تكون العلوم الفيزيوكيماوية الأساس الضروري لعلوم الحياة، هكذا استكملت علوم الطب والأمراض علميتها واندرجت في نسق العلم الحديث.

أما الغائية في علم البيولوجيا العام، الذي يدرس ظاهرة الحياة على سطح الأرض، فقد أطاحت بها نظرية التطور لتشارلز دارون

Ch. Darwin (1809-1882م) حين وضعت تفسيرا آليا عليا لنشأة الكائنات الحية وتطورها وبقائها واندثارها، ووضعت تصنيفا لها تبعا لدرجة التعقيد بحيث تبدأ من الأميبا ذات الخلية الواحدة ثم تنتقل من النوع إلى النوع الأقرب إليه شبها، تشريحيا وفيزيولوجيا، حتى ننتهي إلى تسلسل أو ترتيب منظم يقف الإنسان على قمته، تشكل عبر ملايين السنوات، عن طريق آلية التكيف مع البيئة والصراع من أجل الحياة ليكون البقاء للأصلح، وهذا من شأنه أن يغلق جميع أشكال الحياة في دائرة من التسلسل العلي، يفضي ماضيها إلى حاضرها عن طريق عوامل آلية أولا وأخيرا، لا غائية، كما تقضي نواميس نسق العلم الحديث.

فرض التطور طرحه كثيرون قبل دارون، أبرزهم الطائفة الإسماعيلية «الموسوعية» المعروفة باسم «إخوان الصفاء وخلان الوفاء» في العهد الذهبي للحضارة الإسلامية، وأيضا جد دارون، الطبيب إرازموس دارون (1731-1802م) ذو الاهتمامات والإنجازات العلمية، خصوصا في مجال الأرصاد الجوية، كتب قصيدة بعنوان «معبد الطبيعة» ترسم صورة لتطور الإنسان عن بقع مجهرية تشكلت في البحار في العهود السحيقة، هذا بخلاف معاصر تشارلز دارون جان لامارك

J. Lamarck (1744-1829م) الفرنسي الذي وصل من أبحاثه التجريبية بصورة مستقلة إلى نتائج متشابهة. وعلى أية حال، فإن دارون قد أتى بكم هائل من الشواهد التجريبية والأسانيد النظرية لفرض التطور، بحيث إن نظريته «هي النظرية الوحيدة في ميدانها - وحتى الآن - التي تنسجم مع الفيزياء، بل هي قائمة عليها بلا تحفظات ولا إضافات، إنها تضمن آخر الأمر، ما نسميه بالانسجام الإبستمولوجي لعلم الحياة، وتهب هذا الأخير مكانة بين علوم الطبيعة الموضوعية»

Halaman tidak diketahui