53

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Genre-genre

أجل شهدت نهايات القرن العشرين أسسا وصياغات رياضية لنظريات وفروض حيوية، خصوصا في مجالات البيوفيزياء «الفيزياء الحيوية» والهندسة الوراثية وما إليها، فضلا عن دور الإحصاء وحساب الاحتمال في المجالات الحيوية، أي حدث الآن تلاق وتعاون بين الرياضيات وبعض فروع العلوم الحيوية، أما في مرحلة العلم الحديث، بل وحتى منتصف القرن العشرين، فنجد أن طبيعة الظواهر الحيوية ومستوى التقدم المحرز حال دون الصياغات الرياضية للنظريات البيولوجية، ولم تستطع العلوم الحيوية بلوغ التكميم الدقيق الذي بلغته العلوم الفيزيوكيماوية، وما زالت بعض علوم الحياة الوصفية لا علاقة لها بالرياضيات.

ومع هذا اندرجت علوم الحياة في نسق العلم الحديث، وتكاملت مع العلوم الفيزيوكيماوية في تشييده، وهذا بفضل امتثالها للنموذج الذي هيمن على حركة العلم الحديث، حتى اصطنعته تماما وأكدته نظرية نيوتن، وفرضته كإطار للعلم وللعالم، أي النموذج الآلي الميكانيكي الحتمي.

وقد كانت الميكانيكية بشكل ما عقيدة وإطار عمل فيساليوس وفابريزي وهارفي وقرنائهم رواد العلوم الحيوية، نظروا إلى الجسم الحي نظرة ميكانيكية، أي بوصفه آلة ميكانيكية، تنامت حتى أصبحت مشتقة من النظرة الفيزيائية؛ لترتد كل ظواهر الحياة في النهاية إلى مبدأي الفيزياء: المادة والحركة، ويمكن تفسير كل ظواهر الحياة بما فيها الإحساس والوعي والتفكير على هذا الأساس، إذن فما أيسر أن تندرج العلوم الحيوية مع العلوم الفيزيوكيماوية الأكثر منها عمومية، في نسق العلم الحديث ليبلغ كماله وشموليته، وتبلغ العلوم الحيوية بدورها المنزلة العلمية بعد أن أصبح العلم عنوان النجاح المعرفي وطريقه الوحيد.

وكشأن الفلوجستون، نجد مقولتين حلقتا في أجواء العلوم الحيوية، وكان التخلص منهما يعني الامتثال الكامل لمثاليات النسق العلمي والانخراط تماما في صفوفه؛ لأنهما ناوأتا التفسير الميكانيكي، ألا وهما:

افتراض القوى الحيوية في الأجسام العضوية.

افتراض الغائية في الكائنات الحية بسبب ما بدا فيها من تكيف طبيعي يوحي بأنها تهدف قبلا إلى تحقيق غاية مقصودة.

أما افتراض القوى الحيوية، فيعني أن الكائن الحي مزود «بقوة حيوية» تنظم المظاهر الحيوية فيه وأداءه المتكامل لوظائف الحياة، وتحرره من المؤثرات الفيزيوكيماوية، مما يبرر - مثلا - احتفاظ الكائن الحي بدرجة حرارته ثابتة في البيئة الباردة والبيئة الحارة على السواء. وهذا يعني انقطاعا بين الظواهر البيولوجية والظواهر الفيزيوكيماوية وأن قوانين الأولى تختلف في طبيعتها عن قوانين الثانية، مما يعني اختلاف منهج العلوم البيولوجية عن منهج العلوم الفيزيوكيماوية؛ ليكون أقرب شبها بمنهج التاريخ، على أساس أن العنصر الزماني «العمر» له أهمية جوهرية في الجانبين، بخلاف الفيزيوكيمياء التي لا تأبه بماضي مادة بحثها، وتمسك أنصار القوى الحيوية بأن منهج الاستبطان الذاتي - أي تأمل الذات لما يحدث داخلها أو في باطنها - يمكن أن يفيدنا في إدراك القوى الحيوية، مما يوضح كيف تتسع الشقة بينهم وبين طريق العلم الحديث.

30

ويعد جورج كوفييه

G. Cauvier (1769-1832م) من أبرز أنصار فرض القوى الحيوية، هاجم الفيزيولوجي «علم وظائف الأعضاء» ورآه عبثا لا يجدي! لأن فصل العضو عن الجسم وعن إطار عمل القوة الحيوية يعني إفساد طبيعته وإرجاعه إلى نظام المادة الميتة، وبدا له أن الأهم من وظيفة العضو وفائدته أن نعرف شكله وتكوينه، من هنا كان كوفييه من مؤسسي علم التشريح المقارن.

Halaman tidak diketahui