Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
أما عن الفلك أو الهيئة فسنجد تحديد مواقيت الصلاة والشعائر والأعياد الدينية تدفع الإسلاميين إلى اهتمام مكثف بالفلك، خصوصا وأن البيئة الصحراوية دفعتهم إلى الاعتماد على التقويم القمري بصعوباته في تحديد التواريخ سلفا، وفي الوقت نفسه اهتموا بالتقويم الشمسي في الأمصار الزراعية التي دانت لهم من أجل تحديد أوقات جباية الجزية والضرائب والزكاة وفقا لمواسم الحصاد، والمحصلة أن استطاع العرب تطوير علم حساب المثلثات، وتصنيع آلات فلكية لتعيين المواقيت والاتجاهات، وكانت من أدوات اكتشاف الأمريكتين وإثبات كروية الأرض.
وتظل المأثرة الكبرى للرياضيات هي تأسيس علم الجبر الذي يحتفظ حتى الآن باسمه العربي في كل اللغات الأوروبية، منذ أن ترجم روبرت أوف شستر في عام 1245 «الكتاب المختصر في الجبر والمقابلة» الذي وضعه محمد بن موسى الخوارزمي، فيما بين عامي 813-833م، أي في عهد الخليفة المأمون، وهنا ظهرت لأول مرة في التاريخ كلمة «جبر»، وهي تدل على علم تأكدت استقلاليته وتطورت مفرداته وأدواته، أجل. تباشير الجبر كائنة منذ الحضارات البابلية والهندية القديمة وعند الإغريق، وأهمها كتاب «المسائل العددية» لديوفانطس السكندري، لكن جميعها كانت مجرد إرهاصات مشوبة بقصورات جمة، أما «الجبر والمقابلة» فيلقي أسس العلم بصورة ناضجة قابلة للنماء. أطلق الخوارزمي على الكمية المجهولة اسم «الجذر» إشارة إلى جذر النبات الذي عادة ما يكون مختفيا تحت الأرض، وأطلق على مربع الجذر اسم «المال»، انطوى جبر الخوارزمي على جدة حقيقية وإبداع أصيل في المنهج لا يتعلق بأي تقليد حسابي سابق عليه لا شرقي ولا غربي، فقطع شوطا يفصله كثيرا عن ديوفانطس.
شهد الجبر في الحضارة الإسلامية قفزة تالية مع عمر الخيام الذي وضع قواعد لحل ثلاث فئات من معادلات الدرجة الثالثة وفئة من معادلات الدرجة الرابعة. لقد تدافعت أفواج الرياضيين العرب منذ القرن التاسع الميلادي/الثالث الهجري، فقد ظهر «كتاب الجبر والمقابلة» في نفس وقت ظهور ترجمة كتاب «الأصول لإقليدس» الصرح الأعظم للهندسة، وقد كان يظن أن الله خلق العالم بموجبها، وأنه لا هندسة سواها، ونقلت أوروبا الأصول على يد إدلارد الباثي الذي تعلم العربية ودرس في قرطبة - مركز العلم العربي في الأندلس - وترجم «أصول إقليدس» حوالي عام 1120م من العربية إلى اللاتينية، وظلت هذه الترجمة تدرس في مدارس أوروبا حتى عام 1583م حين تم اكتشاف الأصل اليوناني.
كان الحجاج بن يوسف قد ترجم بعض كتب الأصول لإقليدس من اللغة السريانية إلى العربية. وعلى مدار عهدي هارون الرشيد والمأمون وما تلاهما عمل على ترجمة أجزاء كتاب الأصول ومراجعة الترجمات وتنقيحها كوكبة من ألمع المترجمين الرياضيين. وفتح الأصول شهية العرب للرياضيات الإغريقية، خصوصا في عصرها الذهبي - العصر السكندري - فتوالت دفعة واحدة ترجمة العديد الجم من أمهات هذا التراث، ولعل أهمها كتاب أبلونيوس «القطوع المخروطية» الذي ترجم إلى العربية في عصر المأمون تحت اسم «المخروطات»؛ ولأن أصول إقليدس معنية بهندسة المسطحات، فإن اقتحام عالم المجسمات والقطوع المخروطية كان مرحلة جديدة ارتقى إليها العقل الهندسي في الحضارة الإسلامية وأسدى إليها وأبدع فيها.
وكشأن «الأصول» نجد كوكبة من المترجمين الرياضيين في الحضارة الإسلامية ومن أجيال متعاقبة توالت على ترجمة كتاب «المخروطات» لأبلونيوس ومراجعة الترجمات وتنقيحها، وأيضا كشأن «الأصول» قل أن يمر رياضي عربي بغير أن يصنف رسالة في «المخروطات»، والجدير بالذكر أن هذا الكتاب قد ضاع ولم يبق للبشرية وللنهضة الأوروبية الحديثة إلا الترجمة العربية، انتقلت إلى أوروبا واستفاد منها يوهانس كبلر عام 1609م وطبقها في الميكانيكا السماوية التي أحرزت معه خطوة تقدمية هائلة.
وبطبيعة الحال، الرياضيات في الحضارة الإسلامية إبان عصرها الذهبي كانت أوسع مجالا، لكننا تخيرنا منطلقا محوريا على مفترق الطرق بين الحساب والجبر، وبين الجبر والهندسة؛ ليتبدى الدور المحوري الذي قامت به الرياضيات العربية؛ أما على مفترق الطرق بين الحساب والجبر، فقد كانت نشأة علم الجبر وتأسيسه تأسيسا، أما عن دورها بين الجبر والهندسة فيتمثل في أنها صانت للبشرية هذا السفر الثمين «القطوع المخروطية لأبلونيوس»، والذي يقف كعامل جوهري لنشأة الهندسة التحليلية في القرن السابع عشر مع فرما وديكارت.
حقا إن الهندسة التحليلية تقدم طرقا أعمق وأسهل من طريقة أبلونيوس، وتوضح وحدة القطوع المخروطية بطريقة أبسط؛ إذ تمثلها بمعادلات من الدرجة الثانية بمجهولين، فلا يعد كتاب أبلونيوس أو شروحه من لدن نصير الدين الطوسي وإبراهيم بن سنان والحسن بن الهيثم مجديا في الوقت الحاضر.
بيد أن هذا الكتاب شأنه شأن مجمل إسهامات العرب الرياضية في عهدهم الذهبي إبان العصر الوسيط، له دور خطير في تاريخ الرياضيات وتطور مساراتها.
ولم تكن الثقافة «التكنولوجيا» أقل شأنا، وليس أدل على تجلي روح التقانة العلمية في الحضارة العربية من أن ابن سينا كما رأينا أوضح أن علم الهندسة يتفرع عنه علم المساحة، وعلم الحيل المتحركة، وعلم جر الأثقال، وعلم الأوزان والموازين، وعلم الآلات الجزئية، وعلم المناظر والمرايا، وعلم نقل المياه. وكما أشار برتراند رسل، كان العلم العربي أكثر انكبابا على البحوث التجريبية ولم يعن كثيرا بصياغة النظريات العلمية العامة أو البحتة، أي إن العلماء العرب كانوا تجريبيين أكثر مما ينبغي. وفي سياق البحوث التجريبية تواترت الإنجازات المعروفة للعلم العربي لا سيما في الطب والجراحة والصيدلة والنبات، أما الكيمياء أو السيمياء فإن كثيرين من مؤرخي العلم القديم حذوا حذو ابن خلدون وأسموا الكيمياء «علم جابر»، وقد كان جابر بن حيان - في القرن الثاني الهجري - في طليعة الرواد العظام للعلماء العرب التجريبيين، وقد أسماهم علماء الكلام «الطبائعيين»؛ لأنهم يبحثون في طبائع الطبيعة، وجابر بن حيان هو الإمام الأكبر الذي خرجت من أعطافه كل كيمياء العرب وكل كيمياء العصور الوسطى حتى قال برتيلو: إن جابر له في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق، أي إنه أسسها تأسيسا، وعلم العلماء العمل في قلب المعمل والعزوف عن التأمل النظري الخالص حين البحث في العلوم الطبيعية.
وأخيرا ما دمنا معنيين بتاريخ العلم يجمل أن نشير إلى سبق العرب في هذا أيضا، فكما أشار مؤرخ العلم جان دومبريه «وجدت تواريخ علوم كثيرة قيمة في الكتابات العربية الحريصة كل الحرص على تتبع الأنساب وإثباتها.»
Halaman tidak diketahui