208

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Genre-genre

ولكن مع التسليم بكل هذا تظل العبقرية المبدعة الخلاقة هي العامل الحاسم.

من هنا يرى بوبر مماثلة بين روح العلم وروح الفن شاعت في فلسفة العلم في العقود الأخيرة من القرن العشرين. وعمل جاستون شلار بالذات على أن يفلسف العلم والفن معا من نفس المنطلقات القيمية. حقا الخلق العلمي ليس حرا كالخلق الفني؛ لأن العالم عليه الصمود أمام الاختبارات التجريبية والالتزام بشهادة الواقع والوقائع، إلا أن محاولة فهم العالم مهمة مفتوحة أمام عالم يتمتع بمواهب خلاقة، فيكون خلقه أو إبداعه العلمي إلهاما خطر برأسه، كما أن الخلق الفني وحي وإلهام خطر برأس الفنان الموهوب. عالم الفن من خلق الإنسان، جميع الأعمال الفنية صنعها الإنسان الفنان، وكذلك عالم العلم من خلق الإنسان، وجميع النظريات العلمية مخلوقات من صنع الإنسان العالم، يخلقها ثم يحاول فرضها على العالم لتفسره، فهي «شباك يحاول بها اصطياد الواقع التجريبي، والجهود مستمرة دائما لجعل ثقوبها أضيق وأضيق».

19

ليست النظريات العلمية حقائق نكتشفها في الواقع عن طريق الاستقراء، بل هي منجزات إنسانية كسائر مكونات العالم 3، وتماثل في نشأتها الأعمال الفنية. ولم يعد ممكنا وجود منطق ومنهج لعملية الخلق في العلوم أكثر من إمكانية وجوده في الفنون. «وكعبقرية خلاقة يقف جاليليو ونيوتن وآينشتين على قدم المساواة مع مايكل أنجلو وشكسبير وبيتهوفن».

20

دور المنهج فقط في اختبار الفرض ذاته وتحديد مصيره ومسيره في طريق التقدم المستمر.

وأخيرا ... سبق أن انتهى الفصل الثالث بإيضاح عام لمعالم التقدم الذي أحرزته فلسفة العلم ذاتها في القرن العشرين، حين استوعبت آفاق ثورة الفيزياء الكبرى وانتقلت نظريتها المنهجية من البدء بالملاحظة إلى البدء بالفرض، أي حين انتقلت إلى المنهج الفرضي الاستنباطي وتجاوزت الاستقرائية بكل قصوراتها التي فرضتها ظروف حضارية وحدود معرفية سابقة. والآن نرجو أن تكون معالم هذا التقدم المنهجي قد استبينت أكثر، واستبين أيضا الدور الكبير الذي قام به كارل بوبر في هذا الانتقال، الذي كان بمثابة انتقال من منطق التبرير إلى منطق التقدم.

رابعا: معيار القابلية للتكذيب

كان الاستقراء منهجيا لتبرير وأيضا تمييز المعرفة العلمية، وتم تجاوز النزعة الاستقرائية. حاول الوضعيون المنطقيون تداركها بمعاييرهم لتمييز العلم التي يصعب قبولها بسبب تطرفهم الحاد. وبوبر نفسه في طليعة الرافضين لمعيار التحقق، وأيضا لغة العلم. وإذا سلمنا بأن النظريات العلمية ليس مجرد أداة، بل ذات دلالة إخبارية، فلا بد وأن نسأل بوبر ما هو معيار العلم الذي يضمن أن العبارة علمية، أي ذات محتوى معرفي ومضمون إخباري عن العالم التجريبي، فيميز العلم عن سواه من ضروب الأنشطة العقلية ، خصوصا وأن المنهج - منهج المحاولة والخطأ - في جوهره ليس تقنية خاصة بذوي الاحتراف، بل هو صورة متبلورة متطورة للشكل النمطي للتعامل الإيجابي الفعال مع العالم الواقعي، ولا يميز العلم.

معيار القابلية للاختبار التجريبي والتكذيب هو الذي يميز العلم، وهو أول أطروحات بوبر الفلسفية، وظل دائما محور فلسفته للعلم ومركزها، ويمكن أن نلاحظ هذا في ثنايا العرض السابق لنظريته المنهجية. والواقع أن هذا المعيار إنجاز بوبر الحقيقي، ومن أخطر أطروحات فلسفة العلم في القرن العشرين وأقوى معابرها إلى منطق التقدم. لقد رأينا أن معيار تمييز العلم مهمة محورية لفلسفة العلم منذ نشأتها، وكان هكذا أيضا لفلسفة بوبر منذ نشأتها، فيقول:

Halaman tidak diketahui