Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
والتفنيدات: نمو المعرفة العلمية 1963م»، و«المعرفة الموضوعية: تناول تطوري 1972م». وليس بوبر من نمط الفلاسفة الذين يمرون بمراحل فكرية أو تتعرض فلسفاتهم لتطورات وتعديلات، بل هو - على عكس رسل مثلا - ظلت منطلقاته وتوجهاته الفلسفية ثابتة راسخة بطريقة غير عادية. ساعد هذا على أن يظل «منطق الكشف العلمي» دائما مركز فلسفته، حتى إنه بعد نصف قرن، في عامي 1982م و1983م صدرت ثلاثة أعمال لبوبر ، هي: «الواقعية وهدف العلم»، و«الكون المفتوح: حجة للاحتمية»، و«نظرية الكوانتم والانشقاق العظيم في الفيزياء»، حرص الناشر على أن يثبت على أغلفتها أن ثلاثتها مأخوذة من شروح وهوامش على «منطق الكشف العلمي»! صدر بعدها كتابان باللغة الألمانية هما «بحثا عن عالم أفضل 1992م»، و«الحياة بأسرها حلول لمشاكل 1994م» يضمان مقالات فلسفية عامة، كلاهما مترجم إلى الإنجليزية وأيضا إلى العربية. وكان آخر ما صدر له قبيل رحيله كتاب «أسطورة الإطار»، وهو دفاع عن العلم وعن العقلانية التنويرية في مواجهة تيارات ما بعد الحداثة التي تنقض مفاهيم عصر التنوير أو تتجاوزها. وفي هذا يعد بوبر نفسه آخر التنويريين العظام، ولا مفر من الاعتراف بأنه بهذا المنظور كان أيضا آخر الاستعماريين العظام. إنه شوفوني الإعجاب بالحضارة الغربية، يراها بما حققته من حرية وفردانية وتقليص للفقر والجهل والمرض أعلى مد بلغة الإنسان، والحضارات الأخرى في ناظريه بمثابة أطفال نفكر ألف مرة قبل إعطائهم أي قدر من الحرية والاستقلال!
ثانيا: بوبر ضد الوضعية والاستقرائية
والآن لا يدهشنا أن كتاب «منطق الكشف العلمي» كان الدافع الأساسي إلى تأليفه هو نقد الوضعية المنطقية، وطرح البنية المنطقية والاختبارية للنظرية العلمية بأسلوب يكشف عن حيودات وأخطاء الطرح الوضعي. من هذا المنطلق يعالج الكتاب نفس موضوعات دائرة فيينا كالاستقراء والاحتمالية والتأييد ومشاكل المفاهيم النظرية للكوانتم ... إلخ. وأيضا لا يدهشنا أن اعترف الوضعيون أنفسهم بأنه كتاب فذ وفريد على درجة عالية من العمق ومن التقدم، وأصدرته دائرة فيينا في سلسلة منشوراتها، وكان موريتس شليك وفرانك هما اللذان أعداه للطبع. فكما رأينا، كان بوبر يدرس في جامعة فيينا، فيما بين عامي 1918م و1928م في نفس مكان وزمان نشأة دائرة فيينا، كان أعضاؤها هم أساتذته وزملاؤه، وارتبط بصداقات شخصية حميمة مع بعض منهم، خصوصا كارناب وفيجل وفيزمان ومنجر وفيكتور كرافت وكورت جودل صاحب مبرهنة اللااكتمال، حضر بوبر اجتماعات فرعية للدائرة في منزل العضو إدجار تسيلزل، وألقى محاضرة هي أساسا نقد للوضعية المنطقية، كان بوبر مثلهم منطقيا وفيلسوف علم معنيا بتمييز المعرفة العلمية وبالأسس المنطقية للتجريب، وداعية لوحدة المنهج بين العلوم الطبيعية والإنسانية ... لكنه ليس وضعيا ولا استقرائيا بحال، وقف وحيدا ليتخذ موقفا معارضا لهم، حتى أطلق نويراث على بوبر لقب المعارض الرسمي»، وفيما بعد طرح مؤرخ الفلسفة جون باسمور سؤاله: من الذي قضى على الوضعية المنطقية؟ وبوبر يخشى أن يكون هو المسئول.
8
والواقع أن اضمحلال الوضعية المنطقية لا يعزى إلى فرد بعينه، بل إلى صعوبات داخلية وإلى إصرارها على مواصلة طريق التحقق الاستقرائي المباشر ... إلى آخر ما رأيناه. ولكن بوبر على أية حال استنشق أجواء مشبعة بسيادة الوضعية المنطقية في فيينا، ولاحقته هذه الأجواء في إنجلترا حين هاجر إليها، ثم زفرها ثورة ضد الوضعية المنطقية. كانت أولى المهام الإجرائية التي اضطلع بها بوبر في فلسفة العلم هي وقف المد الوضعي، ثم الإطاحة بأساسها الأبعد وهو النزعة الاستقرائية، هذا وذاك رفضا لمنطق التبرير.
بادئ ذي بدء نلاحظ أن الوضعية المنطقية أتت كثورة في عالم التفلسف ، تقلبه رأسا على عقب حين زعمت أن التحليل المنطقي يمكنه الكشف عن أن المشاكل الفلسفية لغو بغير معنى، وبوبر لا يرى في هذا ثورة ولا حتى جديدا، فالمناقشات الحامية الوطيس حول ما إذا كانت الفلسفة توجد أو لها الحق في أن توجد أم لا، قديمة قدم الفلسفة ذاتها، مرارا وتكرارا تقوم حركة فلسفية «جديدة تماما» تدعي أنها ستتمكن «أخيرا» من كشف النقاب عن المشاكل الفلسفية لتبدو على حقيقتها كمشاكل زائفة، وأنها ستواجه اللغو الفلسفي الخبيث بأحاديث العلم التجريبي الوضعي ذي المعنى الرفيع والمغزى الحميد. ومرارا وتكرارا ينهض حماة الفلسفة التقليدية ليشرحوا لقادة الهجوم الوضعي الأخير أن الالتجاء إلى سلطة الخبرة الحسية بالنسبة له برنامج بحث وليست في حاجة للفحص النقدي.
9
الوضعيون المنطقيون هم قادة الهجوم في القرن العشرين، وبوبر هو المدافع المستخف به عن الفلسفة التقليدية الذي يصر على أن مشاكلها حقيقية. وليس هناك شيء على وجه الإطلاق - في نظر بوبر - يعز على النقد أو حتى يستغنى عنه. ولما كان بوبر يرى أن الفلسفة هي الدراسة النقدية ، للخبرة الحسية وسواها، بدا بوضوح لماذا يعادي بصراحة هذا التوجه الذي يعادي وجود الفلسفة أصلا. النقد دائما هو حجر الزاوية من أفكار بوبر، وهو الآن يصوبه على الوضعية المنطقية.
أما عن منحاها اللغوي، فهو أيضا ليس بالجديد، الاهتمام بالكلمات ومعانيها واحد من أقدم المشاكل الفلسفية، كان السفسطائي بريديقوس مهتما بتمييز المعاني المختلفة للكلمات، فأطلق أفلاطون على هذا الاهتمام اسم «مبدأ بريديقوس»، يقول بوبر: إن هذا المبدأ كان جديدا وهاما عام 420ق.م فهل نعتبره جديدا وهاما في القرن العشرين؟! ببساطة يرفض بوبر الفلسفات التحليلية اللغوية بتعبير موجز يقول فيه: «ما زلت على اعتقادي بأن أقصر طريق إلى الخسران العقلي المبين هو هجران المشاكل الحقيقية من أجل المشاكل اللفظية.»
10
Halaman tidak diketahui