Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
J. Eccles
أكدوا على أهمية الاسترشاد بفلسفة بوبر للمنهج العلمي، وكانت نصيحتهم للعلماء الشبان أن يقرءوا ويتدبروا كتابات بوبر في فلسفة العلم. نخص منهم بالذكر جون إكسلز الذي وقف في حفل استلامه لجائزة نوبل في البيولوجيا يوضح القوة التحررية العظيمة التي يكتسبها ذهن العالم بفضل تمثل نظرية بوبر في المنهج العلمي؛ ليتخلص من فكرة محببة ثبت عقمها ويستقبل بفعالية فكرة جديدة مثمرة. وفي النهاية أخرج إكسلز بمشاركة بوبر كتاب «النفس ودماغها 1977م»، حيث يبحثان مشكلة العقل والمادة والتفاعل بينهما عن طريق تأكيد لعنصر بيولوجي قوي في فلسفة بوبر يستحق أن نبرزه الآن؛ إذ يمثل بوبر الاتجاه العام لفلسفة العلم في القرن العشرين من حيث إن الفيزياء هي محورها والمثال الأعلى للمعرفة العلمية التي نريد أن نفلسفها.
وعلى هذا الأساس الفيزيائي كانت فلسفة بوبر للمنهج العلمي كما يتدفق في قلب معامل العلماء، لكننا سنرى أنه في جوهره صورة مستصفاة متطورة جدا للوسيلة التي امتلكها الإنسان عموما للتعامل الناجح مع واقعه والسيطرة عليه، وبمزيد من التدقيق والتعميم الفلسفي يتكشف هذا المنهج بوصفه محض صياغة لأسلوب تعامل الكائن الحي عموما مع مشكلات واقعه. إن نظرية بوبر في المنهج العلمي امتداد لنظريته في المعرفة، وكلاهما ينطلق من أصول بيولوجية أولية منذ أن وجدت الحياة على سطح الأرض، ثم تنمو المعرفة العلمية وتتطور بتطور الحياة والحضارة. والمحصلة أن فلسفة بوبر للمنهج العلمي فلسفة دارونية تطورية، وفي عرضنا الآتي لنظريته في المنهج سوف نتفهم حيثيات إصراره على قدرة هذا المنظور التطوري البيولوجي في تفسير النشاط المعرفي والعلم. الجدير بالذكر أن بوبر بعد أن تجاوز الثمانين من عمره حاد بشدة في اتجاه الإبستمولوجيا التطورية حتى أعلن أن هدف نظرية المعرفة هو البحث عن أوجه التشابه والاختلاف بين معرفة الحيوان ومعرفة الإنسان، بمعنى إنشاء جهاز معرفي مقارن يكون منطلقا للإبستمولوجيا،
3
وقد أثار هذا الحيود تساؤلات حول ما إذا كان بوبر قد هجر الفيزياء إلى البيولوجيا.
وسوف نرى أنه ليس هناك حيود أو هجران، بل نماء عادي جدا لتوجهات فلسفة بوبر. ولما كانت فلسفة العلم في القرن الحادي والعشرين تنتظرها آفاق مستقبلية واسعة في اتجاه البيولوجيا والمنظورات البيولوجية، أدركنا منذ البداية كيف كان بوبر نقطة تحول، ودفع فلسفة العلم إلى آفاق مستقبلية متتالية.
ومن ناحية أخرى انعكست صياغة بوبر للمنهج العلمي في مجموعة من الآليات والقيم، ترتد نهائيا في صورة مجتمع مفتوح للرأي والرأي الآخر، لكل محاولات حل المشاكل؛ ليفوز الحل الأقدر والرأي الأرجح، فيكون الانتقال بهندسة اجتماعية جزئية من المشكلات إلى حلولها في إطار ديمقراطي، يستلزم التسامح وينقض كل دعاوى الديكتاتورية والانفراد بالرأي والتعصب والتطرف، فضلا عن الإرهاب، ويستحيل معه صب المجتمع داخل الإطار الشمولي الكلي والنسق الموحد، سواء أكان النسق هو الماركسية أو سواها؛ لأن هذا مجاف لمنطق العلم ومنطق الواقع ومنطق التاريخ، وإن استحقت الماركسية بالذات نقدا مكثفا. هذا هو مضمون كتاب بوبر «المجتمع المفتوح وخصومه 1945م» في جزأين، حيث تعقب بوبر جذور الاتجاه الشمولي فيما قبل الماركسية والهيجلية حتى أرسطو وأفلاطون، بل وما قبل أفلاطون ليصل في النهاية إلى أقوى نقد وجه للماركسية. وعلى الرغم من أن بوبر أساسا ودائما فيلسوف علم، فإنه حاز شهرته من هذا الكتاب الذي طبق الخافقين، وتوالت طبعاته منذ صدوره وحتى الآن، وترجم إلى عديد من اللغات. وبمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي أتى مصداقا لمضمون «المجتمع المفتوح»، صدرت ترجمته الروسية عام 1992م في خمسين ألف نسخة.
أعقب بوبر «المجتمع المفتوح» بكتابه «عقم النزعة التاريخية: دراسة في مناهج العلوم الاجتماعية 1957م» الذي يكاد يكون ملحقا له؛ لأن بوبر ينقض فيه كل حجج الاتجاه الفلسفي المعتقد في مسار محتوم للتاريخ يرى وظيفة العلوم الاجتماعية في التنبؤ بهذا المسار. إنه اتجاه عريق موغل في القدم، معروف منذ فكرة اليهود عن مآل شعب الله المختار، وهيراقليطس وهيزيود وأفلاطون، وفيكو وبوسويه وكوندرسيه وهيجل وأوجست كونت وغيرهم، تحدثوا عن أنماط أو إيقاعات أو مراحل تاريخية لا بد حتما أن تحدث، لكن ماركس بالذات؛ نظرا لأثره العظيم، قد ضلل معظم ذوي العقول النيرة حين جعلهم يعتقدون أن الأسلوب العلمي لتناول المشاكل الاجتماعية هو النبوءة التاريخية. فماركس - كما يقول بوبر - هو المسئول عن الأثر المدمر للمنهج التاريخي أو للنزعة التاريخية،
4
على أن كتاب «عقم النزعة التاريخية» لا يعنى أساسا بالماركسية، بل يعمل على تفنيد كل حجج النزعة التاريخية، سواء أكانت مستقاة من النزعة الطبيعية والتوجه العلمي أم معارضة لهذا.
Halaman tidak diketahui