Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
الميتافيزيقا لغو.
خامسا:
معيار التحقق سيمانطيقيا، ولغة العلم سينتاطيقيا؛ لتمييز المعرفة العلمية.
على هذا يجتمع الوضعيون المنطقيون على أن تكون الفلسفة مقتصرة على التحليل بخصائصه الأربع المذكورة، وهي: اللغوية والتفتيتية والمعرفية والبين ذاتية، ثم تتميز الوضعية المنطقية بقصر هذا التحليل بأدواته المنطقية على العبارات العلمية لا سواها، بهذا تغدو الفلسفة علمية.
رأوا أن الفلسفة مهمتها التحديد، ومع هذا لم تحدد لنفسها مجالاتها، وأخذت تصول وتجول حيث تشاء حيث ضاق بها الجيران، وراحوا يستبعدونها من أراضيهم واحدا بعد الآخر، بادئين بالفلك والطبيعة ومنتهين بالنفس والاجتماع، ولم يبق أمام الفلسفة إلا العلوم المعيارية والميتافيزيقا والمنطق. العلوم المعيارية هي فلسفة الأخلاق والسياسة وفلسفة الجمال، أصر الوضعيون على أنها جميعا عبارات انفعالية وجدانية لا تزيد عن ضحكة المسرور أو صرخة المتألم، طالما أنها ليست البتة عبارات معرفية، أما الميتافيزيقا فهي جلبة أصوات بغير معنى ولا جدوى يجب أن تقبع أبنيتها الشامخة التي لا تضر ولا تنفع في متاحف التاريخ المهجورة. ولا يبقى أمام الفلسفة ميدان جدير بالبقاء إلا المنطق، عليها أن تتمسك به وتجعله شغلها الشاغل والوحيد، والعقل البشري لا ينبغي أن ينشغل إلا بالمجالات العلمية؛ أي مجال سواها من خلق الخيال العاجز، وبالتالي تقتصر الفلسفة على تسخير المنطق لتقديم الخدمات التحليلية للعلم، فتقتصر نفسها على مجالاته وتدور معه وجودا وعدما. وليس معنى هذا أن ينازع الفلاسفة العلماء في بحوثهم التي تبغي المعلومات عن العالم التجريبي الواقعي الواحد والوحيد، فهذا شأن العلماء فقط، والفلسفة تختلف، فهي توضح ولا تضيف، إنها كما قال فتجنشتين علم البحث عن المعنى، معنى العبارات العلمية. بعض المصطلحات العلمية قد يكتنفها من اللبس والغموض ما يستطيع التحليل المنطقي أن يجلوه. ومن ناحية ثانية قد تكون مقولة علمية مترتبة على أخرى أو متضمنة فيها أو متناقضة مع نفسها أو مع أخرى تم التسليم بها ... والتحليل المنطقي للعلم يتكفل بكل هذا ويكشف عنه.
هكذا جعل الوضعيون المنطقيون العلم هو النشاط العقلي الأوحد، الذي ينقسم بين فئتين ولا ثالث لهما، فئة العلماء الذين يقومون بجمع المعلومات ووضع النظريات، ثم فئة فلاسفة العلم الذين يقومون بتحليلات منطقية تساعد على تقدم العلم وازدهاره. قد يقوم العالم نفسه بهذه التحليلات، وفي هذه الحالة سوف يصبح فيلسوفا بعد أن كان عالما، أو يصبح العالم/الفيلسوف، بالمفهوم الوضعي المنطقي للفلسفة الذي يعني المطابقة بينها وبين التحليل المنطقي للعلم، فتغدو الفلسفة بأسرها علمية، ولا يعود ثمة متسع للميتافيزيقي السابح في أجواء المطلق، أو الأخلاقي الحالم بمجتمع الفضيلة أو السياسي الباحث عن اليوتوبيا أو الجمالي الهائم في العالم الأستطيقي الخلاب.
ولكي يستطيع الوضعيون المنطقيون أن يعلمنوا الفلسفة بهذا الحصر والقصر ارتكزوا على حجة منطقية؛ وهي أن القضية إما تحليلية، وإما تركيبية. فقد كانت الرياضيات عقبة كئود في وجه التجريبيين، طالما أن العقل الرياضي يستقل بنفسه عن التجربة ليصل إلى القضايا الرياضية الضرورية الصدق ذات اليقين المطلق. فكيف نفضل على هذا المنهج العقلي الخالص المستقل عن التجربة - منهج الرياضة الذي تقتفيه الميتافيزيقا - منهجا آخر يعتمد على التجربة، فتجيء نتائجه احتمالية؟! ولم يكن التجريبيون جميعا بجرأة جون ستيوارت مل وصلابته التجريبية كي يزعموا معه أن الرياضة أيضا تستند على تعميمات تجريبية.
36
ربما كانت هذه العقبة الرياضية هي التي منعت التجريبيين خمسة وعشرين قرنا - هي عمر الفلسفة - من اتخاذ موقف شديد التطرف كموقف دائرة فيينا.
حتى كان كتاب «برنكبيا ماتيماتيكا» والمدرسة المنطقية في أصول الرياضيات التي أثبتت أنها امتداد للمنطق ومثله تحصيل لحاصل لا تحمل خبرا جديدا عن الواقع. ثم أكدت رسالة فتجنشتين أن الصورة المنطقية للقضية الرياضية هي: أ هي أ، بينما تتخذ قضايا العلوم الطبيعية الإخبارية الصورة المنطقية: أ هي ب. من هذا المنطق كان تقسيم الوضعية المنطقية الشهير للعبارات أو الجمل أو سائر ما يتمثل في الصور النحوية إلى فئتين هما: (1)
Halaman tidak diketahui