Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
K. Pearson ) 1857-1936م) وكتابه الشهير «أركان العلم»
14 - والذي صدرت طبعته الأولى عام 1892م (الثانية عام 1900م، والثالثة عام 1911م) - ليجسد الروح العلمية التجريبية المتطرفة تطرفا حادا، فيرفض الميتافيزيقا، بل وحتى الشعر ما لم يكن قائما على أساس علمي هو الحسية المتطرفة. فكل ما لا يرتد إلى انطباعات حسية - كما أكدت الوضعية المنطقية فيما بعد - هو لا علمي، هو لغو وهراء، ولغة العلم «ليست إلا رموزا مختزلة لتتيح أبسط تعبير ممكن عن تعاقب الانطباعات الحسية»،
15
وقد كان بيرسون نصيرا متحمسا وداعية مفوها للفكر الاشتراكي، ومن أهم أعماله «الاشتراكية نظريا وعمليا 1887م»، وعلى الرغم من هذا يدافع جهارا نهارا في كتابه المذكور «أركان العلم» عن مشروعية إحلال الجنس الأبيض عنوة محل القبائل البدائية من السكان الأصليين في أمريكا وأستراليا، (ويمكن أن نضيف إليهما فيما بعد فلسطين) ما داموا يعجزون عن استغلال الأرض وإثراء الحضارة والإسهام في المعرفة الإنسانية والعلم التجريبي.
إنه إذن الهدف الأيديولوجي العنصري المشبوه: إضفاء المشروعية والتبرير لسؤدد الغرب والاستعمار الإمبريالي والاستيطان في أراضي الغير. ولما كان التشويه الأيديولوجي يستأثر بالعلوم الإنسانية دونا عن العلوم الطبيعية - كما سنرى في الجزء الأخير من الفصل السادس - فلا غرو أن يجعل الدراسات الأنثروبولوجية نهبا مستباحا له، فضلا عن طبيعة موضوعها، كانت العلاقة بينها وبين الاستعمار علاقة تبادلية وطيدة. الاستعمار احتاج إليها لترسيخ سيطرته على الشعوب المقهورة بأن يزداد علما بأوضاعها وأحوالها ومعارفها، ففتح المجال للأنثروبولوجيين وأتاح لهم منحا وتسهيلات لم تتح سابقا للباحثين، فكان لا بد وأن ترد الأنثروبولوجيا الدين للاستعمار،
16
وتسير نحو العمل على تبريره عن طريق الحط من شأن الحضارات المستعمرة وتهوين قيمة معارفها وإنكار دورها في قصة الحضارة، وأنبل فصولها قصة العلم. وسوف يواجهنا هذا التشويه الأيديولوجي مرة أخرى حين نتعرض لفصول قصة العلم عبر الحضارات.
ولما كان ليفي بريل من أهم الأنثروبولوجيين في عصره - كما ذكرنا - كان أكثرهم تعبيرا عن هذا، حتى إن تطرفه بمعية قيم الصدق التي لا بد وأن تبرز في الميدان العلمي ... هذا جعل نظريته التي تقطع كل صلة بين الإنسان البدائي وبين أصول الحضارة والعلم تتعرض لنقد حاد من الأنثروبولوجيين أنفسهم، رآها كثيرون منهم على حقيقتها، عنصرية قاسية، وفي سبيل إثبات تفرد وسيادة الإنسان الأبيض تتحامل بضراوة ولا موضوعية على الإنسان البدائي الذي لا يصح أبدا أن ننفي عنه أية قدرة منطقية، ولئن اختلطت رؤاه بالتصورات الساذجة واللامبررة عقلانيا، فلا شك أنه له موقفه الأولي وتفكيره المنطقي البسيط. لقد بلغت ضراوة النقد الموجه إلى ليفي بريل حدا دفع بريتشارد إلى الزعم بأن بريل أسيء فهمه، على الرغم من أنه هو نفسه رفض نظرية بريل «الذي يدرس العقول البدائية بمعايير عقل تشكل في ظروف مغايرة».
17
وضراوة هذا الاحتجاج ليست إلا أصداء ثورة عارمة هبت في ساحات الأنثروبولوجيا على مصطلح «البدائية» ذاته، فاستخداماته المثقلة بالانحياز العنصري والتشويه الأيديولوجي تكاد تفرغه من المضمون العلمي، فهي «تحشر معا كل شعوب العالم ماضيها وحاضرها، فيما عدا تلك التي تشكل جزءا من المدنية الغربية وأسلافها القدماء!»
Halaman tidak diketahui