Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genre-genre
وتأتي جاذبية آينشتين الكونية، وهي نتيجة لتحدب الكون الذي يؤدي إلى انحراف الضوء وانحراف الأجسام أيضا، هذا الانحراف يبدو لنا في صورة الجاذبية ويجعل الكوكب بدوره منجذبا حول الشمس، أي إن حركته تنعطف نحوها، ولولا هذا التأثير لسارت الكواكب في خط مستقيم وفي اتجاه مطرد. وهذا التصور للجاذبية وبالقوانين التي وضعها آينشتين قد حل المشكلة عند تطبيقها على دوران عطارد، وأعطى الجواب الصحيح: 574 ثالثة كل قرن. وكان هذا شاهدا على صحة الفرض الأساسي للنسبية العامة، ودليلا مقنعا نظرا للفارق الكبير الملموس بين الواقع التجريبي ونتائج نيوتن. إنه انتصار للتصور اللاميكانيكي على التصور الميكانيكي وفي عقر داره: الماكروكوزم، أي العالم الأكبر العياني، والتعامل مع الكتل الضخمة.
والواقع أن أول شاهد تجريبي يعزز النظرية النسبية جاء في أثناء كسوف للشمس في 29 مايو العام 1919م، وكان حدثا جللا هز أركان المجتمع العلمي. فعالم الفيزياء النيوتنية هو العالم نفسه الذي يمر به الشخص العادي في خبرته العادية وحياته اليومية - أي عالم الحس المشترك. وبقدر ما ناقض آينشتين مسلمات الفيزياء الكلاسيكية فقد ناقض أيضا عالم الحس المشترك والخبرة اليومية الذي يبدو معقولا أمام الناس أجمعين، وكما أوضحنا، رسمت النسبية أطر كون يصعب تصوره ويبدو لا معقولا، فواجهت النظرية في البداية ردود أفعال قوية وتيارات علمية رافضة، ورآها بعض العلماء تركيبة عبقرية قد نعجب بها، لكن لا ينبغي أخذها مأخذ الجد، فضلا عن الذين رأوها مؤامرة يهودية خبيثة لتقويض دعائم العلم الفيزيائي والنيل من مجده.
حتى كان مايو من العام 1919م الذي سيشهد كسوفا كليا للشمس في منطقة جنوب إفريقيا. والمكان في النظرية النسبية وسط محدب يفرض على الضوء نوعا من الانحراف يمكن حسابه مقدما والتنبؤ به، فيتحدب حول الأجسام الثقيلة كالشمس كما لو كان منجذبا نحوها. بعبارة أخرى، على أساس من مبدأ التكافؤ بين الجاذبية والتحدب، فإن الضوء تجذبه الأجسام الثقيلة كالشمس تماما كما تجذب الكتل المادية، إنها تجذب الضوء جذبا يحرفه عن مساره لو لم تكن هذه الشمس موجودة، ونتيجة لهذا يمكن التنبؤ بأن الضوء المنبعث من نجم في وضع ظاهري قريب من الشمس يصل إلى الأرض من اتجاه يجعل النجم يبدو كما لو كان مائلا قليلا عن الشمس. بعبارة أخرى، نقول: إن النجوم القريبة من الشمس تبدو كما لو كانت قد تحركت قليلا عن بعضها البعض، وهذا الشيء لا يمكن ملاحظته في الأحوال الطبيعية، ما دامت النجوم حول الشمس غير مرئية في النهار بسبب اللمعان الشديد للشمس، ولكن يمكن تصويرها فوتوغرافيا إبان كسوف الشمس، حيث يحجب القمر ضوء الشمس فتتكشف النجوم حولها. ولو صورنا هذه النجوم في أثناء الليل - أي في أثناء غياب الشمس - يمكن قياس المسافات على الصورتين، وحساب الأثر المتوقع.
وهنا تقدم اللورد آرثر ستانلي إدنجتون
A. S. Eddington
وهو من أعظم علماء الفلك في النصف الأول من القرن العشرين، ويقف في طليعة فيزيائيي النسبية الذين أسهموا في تطويرها وتنقيحها خصوصا في كتابيه «المكان والزمان والجاذبية 1920م»، و«النظرية الرياضية للنسبية 1923م». لقد أجاد استيعاب الآثار العميقة لثورة الفيزياء وتمثل إبستمولوجيا القرن العشرين، فكان فيلسوف علم مرموقا، وإن رآه البعض واقعا في براثن المثالية الذاتية. هذا على الرغم من أن إدنجتون هو الذي اقترح أن نطلق على مبدأ هيزنبرج اسم مبدأ اللاتعين
Indeterminacy
بدلا من اسم مبدأ اللايقين
Uncertainty ؛ لأن اللاتعين أكثر موضوعية، أكثر انطباقا على موضوع البحث وليس على الذات العارفة ويقينها أو تشككها. وإدنجتون على أي حال راهب من رهبان المعرفة، لم يتزوج ونذر حياته الهادئة - في جامعة كمبردج - تماما للعلم وفلسفته. تقدم إدنجتون بطلب رسمي بألف جنيه لتمويل حملة علمية إلى جنوب إفريقيا العام 1919م، وذهب لتصوير النجوم في أثناء كسوف الشمس، وذلك لمقارنتها بصورة النجوم في أثناء الليل التي التقطت منذ شهور خلت حين كانت الشمس في الموقع نفسه المرصود من السماء، وتمت المقارنة وحسابات الآثار، وجاءت النتيجة تماما كما تنبأ آينشتين مخالفا بهذا جموع العلماء،
42
Halaman tidak diketahui