Falsafat Akhlaq
مباحث في فلسفة الأخلاق
Genre-genre
18
وأخيرا، يحدث للضمير الشك والارتياب والتردد والحيرة، لا في معرفة الخير من الشر، بل إذا عرض للمرء واجبات مختلفة يطلب منه الحكم فيها واختيار أحدها، وعلاج هذه الحالة الانتفاع بمشورة ذوي الآراء الحكيمة.
ومع هذه الحالات، التي يتعثر في بعضها الضمير في أحكامه، فإنه ليس للأخلاقي أن يطلب من أحد إلا إطاعة ضميره، فإن فعل ذلك أصاب وكان خيرا، وليس عليه إن كان الحكم الذي أصدره الضمير خاطئا؛ لذلك وجب أن يمكن للضمير من القيام بمهمته السامية على الوجه الأكمل، ولا يكون هذا إلا بتربيته وتهذيبه.
بتربية الضمير تغير نظر الإنسانية لكثير من الأعمال، فالضحايا الإنسانية والقرابين التي كانت تقدم للمؤلهين، والانتحار، وحق الحياة والموت الذي كان للآباء على الأبناء لدى بعض الأمم، والنهب وقطع الطريق وقد كان من علائم البطولة في الأزمان السابقة، واسترقاق الأسرى، ووأد الأولاد عند العرب في الجاهلية؛ كل أولئك كانت أمورا يبيحها بل يأمر بها الضمير في غير تحرج ولا تأثم، فأصبحت اليوم وهي جرائم بشعة لا يسمح الضمير بالتفكير فيها، بله إتيانها.
19
وتبدأ تربية الضمير أيام الطفولة بتقوية شعور الطفل الأدبي، وذلك بتعويده الإحساس بالخير والشر وأثر كل منهما، وإشعاره بالفرق بين المدح والذم حتى لا يبلد إحساسه فيستويا لديه، ولفته برفق إلى ما يأتيه من مخالفات أدبية وتبصيره بنتائجها فيمن حوله.
يجيء بعد هذا إذا شب الطفل دور القوة العاقلة، وإنماؤها وتكميلها بالقدر الممكن، وذلك لخطرها الكبير في تقدير الضمير للأعمال الأخلاقية؛ لأن العقل هو الذي يمحص الأعمال ويهيئها لحكم الضمير، فكلما ارتقى عقل الإنسان واتسعت مداركه كان حكم ضميره أقرب إلى الصواب. ونحن جميعا نشعر بالفرق في الحكم في أية مسألة لها أدنى صلة بالدين، بين رجل جاهل متعصب وآخر مثقف متعلم استنار فكره بالتعليم والتربية؛ إذ ما أسرع الأول لعدها بدعة سيئة تزلزل الدين من قواعده، بينما الآخر وهو يعلم من الزمن وتطوراته ما لم يعلم الأول قد يعدها أمرا طيبا من الخير تنفيذه؛ ولذلك كان قصر النظر وسعة المدارك العقلية سببا للخلاف دائما بين الجامدين والمصلحين.
وأخيرا، من أهم سبل هذا التربية المبادرة بطاعة الضمير فيما يأمر به، حتى تقوى فيه قوة الحكم الأدبي على الأعمال بالمرانة، شأنها في ذلك شأن سائر الملكات النفسية تضعف بالإهمال وتقوى وتكمل بالتمرن وإعانتها على أداء مهمتها؛ ولهذا كان لا بد للمرء من تربية إرادته وجعلها ماضية صالحة لا تعصي للضمير أمرا، فإن الإنسان إذا خالفت إرادته حكم الضمير لأول مرة يحس بألم شديد مصدره التأنيب، فإذا خالفته مرة أخرى أحس بألم دون الأول، وهكذا حتى لا يحس لعصيانه بألم ألبتة، فيخفت صوته ويضعف سلطانه. ومما يعين أيضا على هذا النوع من وسائل التربية القدى الصالحة، والبيئة الخيرة، والقوانين التي تحمي الأخلاق، والحكومة التي تسهر على تنفيذها، وأشباه ذلك مما يحفظ لقوة الحكم الأدبي نشاطها ويقوي سلطانها. (4-7) درجات الضمير
للضمير ثلاث درجات، نتكلم عن كل منها فيما يلي:
الأولى:
Halaman tidak diketahui