Falsafat Akhlaq
مباحث في فلسفة الأخلاق
Genre-genre
الحق أن هذه الفلسفة كان من حظ المجتمع أن جعلها دبر أذنيه فلم يلق لها بالا، وإلا فلو دان الناس بها فيما سلف من الزمان لحرم العالم من كثيرين هم فخر العلم اليوم؛ فكم من نابغ جعل حول اسمه دويا في جنبات الأرض، نشأ من سلالة خاملة لم ترزق شيئا من العبقرية والنبوغ!
وإذن لندع هؤلاء القانطين يسبحون في عوالمهم ولنكن عمليين فنعرف أن بحوث الوراثة تنادي: (1)
بأن بعض الأمراض وراثية، فيجب أن يمنع من رزئوا بها وأعجزنا شفاؤهم من التناسل حتى تنقرض سلالاتهم، ويخلص المجتمع منهم. (2)
وبأن البله والجنون وسائر الأدواء العقلية والخلقية من الأمراض التي للوراثة حظ فيها، فيجب أن يمنع المصابون بشيء منها من التناسل أيضا. (3)
وأخيرا بأنه يجب أن تغير القوانين إلى حد يمكن للحكومة من السيطرة على أولئك وهؤلاء، فتحول بينهم وبين التناسل في غير مشقة ولا إعنات، كأن تنشئ لهم مثلا مستعمرات تضمهم وتكل إليهم بعض الأعمال نظير ما يكلفونها من نفقات. (ك) واجبنا والوراثة
إذا كان للوراثة هذا الأثر الظاهر في الأجسام والعقول قوة وضعفا، وفي الأخلاق حسنا وقبحا لابتنائها على كثير من الغرائز والعادات الموروثة، وإذا كان الإنسان يعترف عمليا بهذا الأثر ويحرص على الإفادة منه دائما، فلا يستنبت إلا أجود البذور، ولا يقتني من الحيوان إلا أفضل الأنواع للحصول على أكبر الفوائد والمزايا، نقول: إذا كان الإنسان يعنى بتحسين سلالات النبات والحيوان، فأولى له أن يعير ذاته - وهي أكرم عليه - ما تستحقه من عناية، وما تتطلبه من تقدير، فيستعرض جميع أحواله من جسمية وعقلية وخلقية، ويجعل من نفسه عليها رقيبا، ثم يحاول أن يستفيد من صفات الخير وينميها، وأن يهذب من سواها بقدر ما يستطيع.
وليس هذا من واجب الإنسان لنفسه فحسب، بل إنه واجب عليه للأجيال الآتية أيضا. إنه إذا أخذ كل منا نفسه بإصلاح جسمه ومداركه وأخلاقه، ونسج أبناؤنا على هذا المنوال، كنا جديرين بأن نصل بفضل وراثة ما يرسخ من الصفات المكتسبة إلى مستوى قريب من الكمال.
والآن، وقد فرغنا من الكلام على الوراثة وآثارها، ومهمة الفرد والمربي حيالها، نرسل البحث إلى عامل آخر في تكوين الخلق وهو «البيئة»؛ حتى نرى مبلغ أثرها أيضا، وما هو واجبنا كأفراد ومربين نحوها. (3-2) البيئة (أ) تعريفها
تطلق هذه الكلمة بأوسع معانيها على كل ما يحيط بالمرء ويؤثر فيه كثيرا أو قليلا، بطريق مباشر أو غير مباشر، من يوم يكون جنينا إلى أن يموت، فالمنزل والمدرسة والرفاق، والسياحات والأسفار، والتقاليد والنظم والقوانين التي يخضع المرء لها، والإقليم الذي يعيش فيه، كل ذلك ونحوه من البيئة التي لها كبير الأثر في تكوين الإنسان. (ب) أنواعها
هذه العوامل التي تشملها كلمة «بيئة» إما طبيعية كالبلد الذي يحيا فيه الإنسان وما فيه من جبال ووديان وسهول وحزون وبحار وأنهار، كذلك ما قدر لهذا البلد من حرارة وبرودة، كل هذا من البيئة الطبيعية.
Halaman tidak diketahui