Rukaiyz dalam Falsafah Politik
ركائز في فلسفة السياسة
Genre-genre
كان الاستعمار الأوروبي والإمبريالية الأمريكية التوجه السياسي لعلاقة الغرب بالعالم الإسلامي، وبالارتكان عليه اتخذ الغرب بمعية حليفته وربيبته الصهيونية موقفا من تقدم وسؤدد العالم الإسلامي، موقفا يلقي الرعب في قلوبنا ويجعلنا نتوجس دائما في النوايا مهما ارتدت مبادرة الشرق الأوسط الكبير من مسوح براقة.
ويمكن أن نعود بهذا الموقف من تقدم العالم الإسلامي إلى جذور أبعد، زرعت في أعماق الوعي الغربي خطورة التفوق الإسلامي على مصالحه خصوصا إذا اقترن بالدائرة العربية التي يريدونها شرقا أوسط، أي حضارة لا عربية ولا غربية، تكتسح بقايا المخلفات القومية. •••
هذه الجذور نجدها حين تحول البحر المتوسط إلى بحيرة إسلامية تجوبها الألوية العربية المرتفعة، فتختنق موانئ أوروبا ويذبل اقتصادها، ويعتريها الوهن والذبول وتدخل ليل قروسطيتها الطويل.
نذكر في هذا الصدد هنري بيرن
H. Pirnne (1826-1935م)، فقد اشتهر بتفسيراته الثاقبة للعصور الوسطى الأوروبية، وعزو تخلفها إلى التقدم السريع للإسلام الذي أدى إلى الانقطاع عن التراث الإغريقي والروماني وإلى نهاية وحدة حوض المتوسط التي لم تعد إلا مع الحروب الصليبية، وفي كتابه الشهير «محمد وشارلمان» تبدأ العصور الوسطى، لا بسقوط الإمبراطورية الرومانية، بل بالفتوحات العربية وسيطرة المسلمين على موانئ البحر المتوسط الجنوبية وطرق الملاحة والطرق البرية إلى الشرق الأوسط والأقصى، التي كانت سببا في ثراء اليونان قديما، ثم ثراء إيطاليا ووسط أوروبا حديثا.
هذه السيطرة الإسلامية عزلت أوروبا عن مصادر الثروات التجارية، فتدهور اقتصادها ليبدأ عصرها الوسيط؛ والدليل على هذا - فيما يرى بيرن - أن العصر الوسيط المظلم انتهى باكتشاف إيطاليا لطرق برية إلى الصين في القرن الثالث عشر، واكتشاف البرتغال لرأس الرجاء الصالح، ووصولهم إلى شرق آسيا من دون الاحتكاك بالمسلمين. وبالمثل يقول مؤرخ العلم ج. ج. كروثر إن المسلمين حين قضوا على الملاحة الأوروبية في البحر المتوسط قضوا على التجارة الخارجية والمواصلات في غرب أوروبا، وذبلت موان ومدن تجارية على الأنهار في داخل القارة لانعدام موارد التجارة، وتلاشى ما بقي من الحكومة المركزية الرومانية، وأغلقت مكاتب الإدارة والمحاكم والمدارس واختنقت دعائم النظام الإمبراطوري، ولم يبق من الطبقات الاجتماعية إلا كبار الملاك أبناء الأعيان والفلاحين وبعض الفلاحين الأحرار. انتهت الصناعة لعدم تموينها بما تحتاج إليه، وانتهت حركة الإنشاء والعمل باستثناء متطلبات الحياة اليومية. لم يعد هناك حاجة للعبيد، الوسائل الفعلية لإنتاج العمل آنذاك، ولم يعد الوضع يتطلب إلا المشتغلين بالزراعة.
وإن بدا هذا الحديث يخوض في أوضاع ولت وانقضت، تتقدم دراسات إدوارد سعيد بإجابة شاملة على السؤال: لماذا كان الإسلام فقط هو الدين الوحيد الذي يمثل تقدمه ونهضته تهديدا خطيرا للحضارة الغربية وسطوتها وقيمها؟ •••
ومهما تحدثت الفقرة السابقة عن أوضاع ولت وانقضت، يبقى منها أن العروبة هي أرومة الإسلام، وأن الإسلام - عمود العروبة الفقري وعمادها - ليس فقط عقيدة وشريعة وتدين به أمم شتى، بل هو أيضا هوية حضارية ومنظومة ثقافية وإطار لبنية احتلت قصب السبق ورسمت معالم التقدم والمسيرة الحضارية عبر حقبة طويلة من حقب التاريخ، امتدت من القرن السابع إلى القرن الثاني عشر، وهي في حركة العلم وتقدم العقل البشري تشغل في واقع الأمر كل الفضاء الحضاري الممتد منذ انتهاء عصر العلم السكندري في مصر في القرن الأول الميلادي، أو بالكثير منذ إغلاق مدارس الفلسفة في جنوب أوروبا في القرن الخامس الميلادي وحتى بزوغ الجمهوريات الإيطالية في عصر النهضة. وعلى الرغم مما اعترى هذه البنية من وهن وشحوب وذبول، وما ألم بها من كوارث خارجية وأمراض داخلية، رغم هذا ما زالت بنية قائمة بشكل أو بآخر؛ لذا تظل مسألة الإسلام والغرب مطروحة.
لقد كان الوحي القرآني فعل توحيد فذ، مثل نقطة تحول متفردة، لم يكن استمرارا لأي مسار كان قبله، نثريا أو شعريا، إنه كما قال طه حسين - الأستاذ العميد - ليس شعرا ولا نثرا، بل قرآنا. ولعل ظهور الوحي في سيرورة الحضارة العربية/الأنا، يماثل - كما قال علي حرب في كتابه «الحقيقة والتأويل» - ظهور الفلسفة في سيرورة الحضارة الغربية، منعطف جذري وتغيير حاسم من حيث الرؤية التي أتى بها والمنهاج الذي استنه.
أجل يمثل الوحي القرآني منعطفا جذريا يحدد هوية العروبة، صحيح أن هذه المنطقة تتميز بسعة الموروث الثقافي قبل الوحي بزمان سحيق، وأمامنا في مصر الحلقة الفرعونية والحلقة القبطية، ولا تزالان ماثلتين حتى في الوجدان المسلم، ما زلنا نعيش رموزا من الحقبة الفرعونية؛ مثل شم النسيم، السبوع، الفول المدمس، ذكرى الأربعين لأن التحنيط كان يستغرق أربعين يوما ، بل ما زال ثمة الحانوتي أي الحنوطي رغم اندثار التحنيط. أما الحلقة القبطية فلا يزال الفلاح المصري - سواء أكان مسلما أو مسيحيا - يعيش حتى الآن في تقويمها وينظم وقائع حياته وفقا للشهور القبطية المطابقة لمناخ مصر وبيئتها الزراعية، وشبيه بهذا
Halaman tidak diketahui