Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Genre-genre
التي تحدث علاقة بين الاثنين الآخرين. وهكذا يندرج الموضوع في الحكم تحت مضمون كلي أو فكري، وهذا الاندراج أو التضمن يعني تشابه المعطى مع كل حالة أخرى يمكن أن يتحقق فيها المضمون الفكري. وإذن فهذا المضمون الفكري هو الذي يتميز به الحكم، وهو حاضر دائما في قلب عالم الوقائع، ويؤدي إلى إقامة علاقات ذات طابع عام بين مختلف معطيات الوعي. وهكذا يعطى أحد عناصر المضمون الكلي للحكم لا بطريقة واقعية وإنما بطريقة فكرية أو مثالية، ويكون الحكم متعلقا بواقع يوجد خارج فعل الحكم أو مشيرا إلى هذا الواقع. بل إن تعريف هبهوس للحكم يتفق لفظيا مع تعريف برادلي وبوزانكيت له، فهو الفعل الذي يربط بين مضمون فكري أو مثالي وبين واقع خارج عن فعل الحكم. وهذه العلاقة القائمة بين عناصر الحكم تتخذ شكل قبول أو تصديق في الحكم الموجب، وشكل رفض أو استبعاد في الحكم السالب. وإذن فعملية الحكم تتوقف على مركب بين عناصر فكرية أو مثالية وعناصر واقعية. ولسنا في حاجة إلى أن نشير بالتفصيل إلى مدى تأثر هذه النظرية في الحكم بالمنطق الهيجلي المحدث عند برادلي وبوزانكيت، أو أن نوضح بعد ذلك مقدار ما تدين به للمناطقة الألمان من أمثال زيجفرت
Sigwart
وبرنتانو
Brentano .
ويعالج هبهوس موضوع الحكم، مثلما تناول موضوع الإدراك المباشر، ضمن معطيات المعرفة، ما دام لا ينتج مضمونات جديدة، بل يقتصر على ربط العناصر المعطاة بعضها ببعض، ويؤكد هذه العلاقة أو ينفيها. أما القسم الثاني في المنطق فيبدأ عند النقطة التي يأتي فيها الذهن بشيء جديد يتجاوز المعطى، ولا يكون من الأصل متضمنا في الوقائع، وهو يطلق على هذا المجال في المنطق اسما عاما هو الاستدلال، ويتم الانتقال من الحكم إلى الاستدلال عن طريق الخيال، الذي يظهر بفضله مضمون جديد لم يكن حاضرا من قبل، ويشيد بناء جديدا، وإن يكن من الواجب ملاحظة أن أحجار البناء مستمدة من مادة المعطى، أو كما يقول هبهوس: إن الخيال يبنى بأحجار تشكلت من قبل، كذلك تنحصر ماهية الاستدلال في الحصول على واقعة جديدة، بوصفها نتيجة، من محتوى معطى بوصفه أساسا (هو المقدمات) أي على حقيقة ليست متضمنة في المقدمات. ولكن على حين أن العنصر الجديد يوحى به فحسب في حالة نواتج الخيال، فإنه في حالة الاستدلال يقترن بإحساس قوي بالاعتقاد أو التصديق، نؤكد على أساسه أن المستوى الجديد صحيح ومطابق، وإذن فمن الواجب تمييز الاستدلال من الخيال مثلما يتميز التقرير الموثوق به من مجرد الإيحاء. ويستطيع المرء أن يلمح في عامل الاعتقاد أو التصديق الذي أدخل هنا، والذي يلعب أيضا دورا في نظرية الحكم وفي الاستقراء والاحتمال، ذلك العامل الذاتي المتضمن في نظرية هيوم، والذي هو في نظرية هبهوس من الأسس الهامة لهذه الأشكال المنطقية، وإن لم يكن له دور حاسم في تأكيد صحتها الموضوعية، فمهمة الفكر في الاستدلال هي الربط بين المعطى على النحو الكفيل بمد معرفتنا به إلى حقيقة أخرى غير معطاة. والمصادر الوحيدة التي ينبغي أن يسلم بها الفكر هنا هي أن الواقع هو بالفعل نسق ترتبط أجزاؤه فيما بينها بالضرورة، وهكذا فإن نشاط العقل إنما يكون في الجمع والتنظيم. ولقد كانت مناقشة هبهوس حتى الآن تفترض صحة الفكر، وهكذا فإنه يتناول في القسم الأخير من بحثه المنطقي مسألة تبرير ادعاء الصحة هذا في الفكر.
وفي هذا القسم يصل ابتعاد هبهوس عن الأساس التجريبي لمذهبه إلى أقصى مداه، ويغترف بكلتا يديه من نبع الفكر المثالي، الذي نقله أتباع كانت وهيجل إلى إنجلترا، وإن هذه الحقيقة لتشهد على قوة الحركة المثالية وخصبها شهادة أقوى مما يشهد بها ذلك العدد من مريديها وتلاميذها الطيعين الذين اتخذوا وجهة النظر المثالية لأنهم وجدوها مهدئة لنفوسهم، أو حافزة على استخدام عبارات فخمة رنانة، أو دعامة لإيمانهم المزعزع، أكثر مما اتخذوها لأنها قوة دافعة خلاقة لإحياء الفلسفة.
فهنا يتضح لهبهوس أن المذهب الحسي القائل بالانفصال المطلق ينتهي إلى اللاواقع والوهم، ويتخلى على نحو قاطع عن كل نزعة شكاكة يائسة وكل لاأدرية مستسلمة، وهما النزعتان اللتان طالما افتخر بهما المفكرون الذين تخرجوا في معسكر العلم الطبيعي. ويرسم أخيرا حدا فاصلا يستبعد منه المذهب الحدسي، الذي يكون الوضوح الذاتي لقضية واحدة كافيا في نظره لضمان حقيقتها بل إنه - على العكس من ذلك - يرى أن صحة الحكم لا يمكن أن تنحصر في كونه معطى بوصفه واضحا بذاته مباشرة، فلا يمكن أن يدعي الحكم المنعزل، المنفصل عن مضمون الفكر، لنفسه أية صحة نهائية، وإنما تكون هذه الصحة مؤقتة، يثبتها السياق فحسب. وكما أن الواقعة المنعزلة لا تكون لها قيمة معرفية، فكذلك يقف الحكم المنعزل في الجانب الآخر من الحدود التي تقع من ورائها الحقيقة واللاحقيقة معا، وعليه أن ينتظر تأكيد الأحكام الأخرى له، ولا يجد حقيقته الكاملة إلا في نسق المعرفة الكاملة. والحد الأدنى اللازم لإثبات الصحة هو ذلك الذي يؤلفه حكمان يؤيد كل منهما الآخر ويؤكده، غير أن الإثبات النهائي لصحة الحكم إنما يكون في الارتباط المنهجي المتبادل بين جميع أجزاء الكل فيما بينها، ومع الكل الذي تشير هذه الأجزاء إليه، والذي تجد دعامتها فيه، فحقيقة الحكم هي الكل، وهي تشبه ديمقراطية لا فضل فيها لأحد على غيره، وإنما ترتبط قيمة كل فرد واحد وحقيقته ارتباطا لا ينفصم بصالح المجموع، الذي يتوقف بدوره على مدى صلاحية كل فرد على حدة. ويستخدم هبهوس لفظ «التلاؤم
Consilience » ليدل به على الاعتماد والارتباط والتأييد المتبادل للأجزاء الفردية في الكل المعرفي، وعلاقتها الضرورية بالنسق الكلي، وهذا في نظره هو المعيار الحقيقي لكل حقيقة وصحة. وهدف المعرفة الذي يتحكم في غاية العلوم والفلسفة معا، والذي تقترب منه هذه دون أن تبلغه أبدا على نحو كامل، هو بلوغ ذلك الطابع الكلي الذي يكتمل بفضل التلاؤم التام لجميع أجزائها وأفرادها، والنسق التام التنظيم لجميع الأحكام التي يؤيد بعضها بعضا ويؤكده ويحققه. ولكن إذا لم يتحقق هذا، فمن الواجب دائما أن تكون فكرة «التلاؤم» معيارا لضبط كل معرفة منفصلة، وكل بحث في ميدان خاص. فمن الواجب أن يضع المرء دائما نصب عينيه أن يرفع كل عنصر فردي مستقل إلى مستويات من التعميم أعلى دواما عن طريق إقامة علاقات متبادلة بين هذه العناصر بحيث تزداد جذورها تأصلا في الكل المنظم للمعرفة. وإن ماهية كل تفكير وبحث بشري - سواء في العلوم الخاصة وفي النظرة الفلسفية الجامعة - لا تكون في الانعزال والاكتمال، وإنما هي دائما نمو عن طريق المزيد من التلاؤم والترابط. ومهمة العقل - أو على حد تعبير هبهوس الدافع العقلي في الإنسان - إنما تكون في ربط المعارف المفردة والتجارب المنعزلة في تركيب فكري منظم شامل، بحيث يكون الهدف هو ذلك الانسجام العقلي الذي يجد فيه سعي الذهن البشري غايته وطمأنينته. كذلك لا يستطيع الخطأ أن يرغم هذا الدافع العقلي على الانحراف عن طريقه؛ إذ إن الخطأ بدوره ليس، من حيث المبدأ، بمنأى عن عالم العقل، وإنما هو حقيقة جزئية، أي مرحلة ضرورية في التنظيم المنهجي للمعرفة، وإن نفس هذا النقص والقصور الذي يشوبه، إنما هو الذي يحفز الإنسان على تجديد أبحاثه على الدوام، وإعادة النظر فيما سبق أن قبله من النتائج. ولا شك أن فلسفة هبهوس - باتخاذها هذه المواقف - قد وسعت الهوة الفاصلة بينها وبين نقطة بدايتها التجريبية إلى أقصى حد ممكن، وبدا أنها تزداد بالتدريج اقترابا من نظرية الحقيقة عند الفلاسفة الهيجليين الإنجليز، كما قال بها على الأخص برادلي وتلميذه جويكم.
ومع ذلك فهناك في الوقت ذاته فارق مميز واضح بين هبهوس والهيجليين، فقد كان في غنى عن «المطلق» عند برادلي، الذي هو مبدأ معتزل متوج بسمو وقور فوق الكثرة المتنوعة للعالم الظاهري بما فيه من أوهام ومتناقضات. وهكذا قضى على صرامة مبدأ برادلي وثباته، وأذابه في الحركة الحية لعملية رأى أنها تقدم أصيل نحو تأليف وتركيب منظم يزداد علوا على الدوام (وإن لم يكن ذلك على نسق الديالكتيك الهيجلي)، هدفها هو بلوغ الحقيقة الكلية، بحيث كان هبهوس التجريبي في هذه المسألة أقرب إلى مقصد هيجل الحقيقي من برادلي الهيجلي. ولقد توصل إلى هذه النتيجة بإدماج فكرة التطور مع فكرة التلاؤم - وهنا نصل إلى ملتقى طرق هام في فلسفته - وبذلك وحد بين المبدأين الأساسيين لتفكيره، فصحة معرفتنا تزداد كلما ازدادت تكشفا داخل العلم الكامل، وهي تقترب من الحقيقة المنهجية الكاملة بالقدر الذي تزداد فيه - أثناء تقدمها - علوا بفضل التلاؤم. وبهذا تصبح الحقيقة حاضرة في المعرفة المتقدمة خلال التطور، الذي هو الواسطة في نموها حتى الاكتمال. وهكذا تتخذ فلسفة هبهوس مظهر اندماج مطبق بطريقة واقعية، بين عناصر من المذهب المطلق وعناصر من مذهب التطور، مع اتخاذ التجريبية نقطة بداية لها.
فإذا انتقلنا من نظرية المعرفة إلى الميتافيزيقا عند هبهوس، للاحظنا هنا أيضا كيف تحكمت المثالية في الأساس التجريبي والواقعي وعدلته في نقاط أساسية، ويتضح ذلك بوجه خاص في تخفيف المثالية لحدة النزعة الطبيعية المادية في تفكير هبهوس، مما جعل له أساسا يختلف تماما عن أسس مذاهب القرن التاسع عشر ذات الطابع العلمي وهي المذاهب التي ظهر مذهب هبهوس في ظلها في البداية؛ ذلك لأن دراسات هبهوس الواسعة في النمو التاريخي للذهن، كما عرضها في كتابه «الذهن في تطوره»، قد أقنعته عند وقت مبكر، بناء على أبحاث تجريبية دقيقة، بأن الذهن ليس مجرد ظاهرة ثانوية أو مصاحبة لحوادث مادية، وإنما هو عنصر له أكبر قدر من الدلالة والأهمية في مجموع العالم الواقعي. وبعد أن دعمت أسس دراساته الخاصة بفضل تعاليم المثاليين، أصبح يعترف بالمبدأ الروحي في العالم، بوصفه عالما مستقلا قائما بذاته، لا مجرد عامل مستمد من المادة، كما اعترف من جهة أخرى بأن «الحقيقة
Halaman tidak diketahui