Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Genre-genre
مقدمة المؤلف (للطبعة الألمانية)
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم عرض لتطور الفلسفة الإنجليزية منذ حوالي منتصف القرن الماضي حتى اليوم، ومع ذلك فقد كان لزاما علي - لكي أضع أساسا للعرض الذي قدمته للفلسفة البريطانية المعاصرة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة - أن أضمن كتابي أفكارا أقدم عهدا، وأن أبين جميع أوجه الارتباط التي تصل الحاضر بالماضي، لتكون منهما كلا متكاملا متماسكا إلى حد ما، وفي سبيل هذا الهدف الأخير كتبت الباب الأول من هذا الكتاب، وبذلك يكون هذا العرض للفلسفة الإنجليزية الحديثة قد جمعها في وحدة تاريخية كاملة الأطراف.
غير أن الموضوع الرئيسي الذي ينصب عليه الاهتمام في كتابي هذا يبدأ منذ الباب الثاني، ومن أجل هذا الموضوع بذل هذا الجهد الشاق؛ ذلك لأنه على حين أن المدارس الفكرية الأقدم عهدا قد حظيت بقسط كاف من الدراسة، وأصبحت سماتها الرئيسية معروفة للجميع، فإن الفترة المتأخرة لم تبحث قط بحثا شاملا، وكانت المؤلفات القليلة التي تناولتها إما مجرد جمع لمواد، أو بحوثا تقتصر على نواح جزئية منها، ولا تعدو أن تكون موجزات وتلخيصات غير دقيقة، وهكذا كان من الواجب - في هذا الميدان - بذل كل الجهد اللازم للإلمام الدقيق بالموضوع، وكانت مهمتي في هذا الصدد هي أن أستكشف أرضا جديدة في تاريخ الفلسفة، ولم تكن تقتصر على إبراز النسيج المعقد للفلسفة الإنجليزية في سياقها الخارجي، وإنما توخيت أيضا إيضاحها من باطنها، وتقديمها في صورة تتسم بالعمق مثلما تتسم بالاتساع؛ لذلك كان علي أن ألجأ مباشرة إلى المصادر الأصلية؛ فمنها وحدها كنت أستطيع استخلاص الملامح الصادقة للمفكرين ولموقعهم من المدارس الفكرية، ولهذه المدارس الفكرية ذاتها.
ومن الطبيعي أنني عندما أتحدث في هذا الكتاب عن «مدارس فكرية» فإني أعتمد على قدرتي في استبصار العلاقات بين الأفكار، غير أن الامتلاء الحي المتعدد الألوان، الذي يتبدى عليه التفكير الفلسفي لعصر من العصور وأمة من الأمم، لا يندرج بسهولة دائما في إطارات تاريخ الفلسفة، وكثيرا ما يتعارض مع هذا التقسيم الحاد إلى شيع ومذاهب محددة المعالم، وهو التقسيم الذي كان أثيرا لدى الباحثين وقتا ما، ولكنه أصبح اليوم مكروها إلى حد بعيد، ومع ذلك فإنه لا يسعنا - إذا شئنا ألا يضيع مؤلف كهذا الذي نقدمه وسط زحام الظواهر المتغيرة - أن نستغني تماما عن هذه التقسيمات؛ إذ إن اعتبارات النظام والاتساق تحتم وجودها، ولكن ينبغي ألا تكون هذه التقسيمات أكثر من علامات للإرشاد في أرض يبدو لأول وهلة أنها لا تنطوي على أي طريق محدد المعالم، ومحال أن تكون بديلا نستعيض به عن الوقائع الفعلية؛ فهي إشارات تحدد الاتجاه أمام السائح، وبهذه الصفة تكون معقولة وضرورية، ومن ثم فإني لا أعدها الموضوع الرئيسي الذي أهتم به في كتابي هذا، وإنما أراها مجرد عامل مساعد لا غناء عنه في البحث، ومن الجائز أن مفكرا أو آخر قد أدرج في فئة لا تنطبق عليه، بحيث يبدو ناشزا - جزئيا أو كليا - في المكان الذي وضع فيه، ولكن الواجب ألا يبالغ المرء في تقدير قيمة هذا النوع من الاعتراضات، إذا كنت قد نجحت في تقديم عرض صحيح للمفكر ومذهبه، وفي فهمه فهما سليما، ولهذا السبب كان اهتمامي بالمفكرين الأفراد أعظم من اهتمامي بالمدارس الفكرية، وكان اهتمامي بمشاكل الفكر أعظم من اهتمامي بالتقسيمات التي نعرف بها كنه هذه المشاكل، بل إن هدفي الأكبر كان تقديم عرض لمختلف الفلاسفة حسب الطابع الفردي الذي يتسم به كل منهم، وإبراز شخصياتهم، من حيث هم مفكرون، على أوضح نحو ممكن؛ ولهذا فسوف يعالج كل مفكر في موضع واحد فحسب، على حين أنني لو كنت قد استهدفت ترتيب بحثي على أساس الاتجاهات الفكرية لكان لزاما علي أن أتحدث عن المفكر الواحد في أكثر من موضع واحد، وقد يؤدي ذلك إلى تشويهات كثيرة، ولكن هذه نتيجة لا مفر منها إذا لم يفضل المذهب على الشخصية، والاتجاه الفكري على المفكر، والفئة على العرض الحي.
وربما بدا أن هناك شيئا من الخطورة في تتبع اتجاه الفكر الإنجليزي حتى يومنا هذا؛ إذ إن مثل هذا العمل لا يمارس من خلال ذلك المنظور البعيد الذي ينبغي توافره من أجل دراسة حركة لم تنته بعد أو مفكرين ما زالوا نشيطين في ميدان الإنتاج، ومن أجل تمييز الغث من السمين، والدائم من العابر، وأنا أدرك ذلك بكل وضوح، ولست أدعي لنفسي - حيثما كان علي أن أعالج مسائل معاصرة - تلك الدقة في الحكم التي نشترطها في المؤرخ عندما يكون بصدد مسائل طويت صفحتها، فهنا يظل الكثير في مرحلة التنظيم المؤقت والتقريب المحض لأمور سوف تبت فيها الأبحاث المقبلة بمزيد من الدقة، ولهذا السبب لم يكن في وسعي أن أضمن كتابي جميع الحركات التي نستطيع أن نلمح بوادرها الأولى في الفكر الإنجليزي، أو أي شيء لم يتخذ حتى الآن صورة محدودة المعالم، وفضلا عن ذلك فلم يكن هدفي هو الوصول إلى سجل جامع مانع؛ فهذا هدف يستحيل تنفيذه عمليا، بل إنه باطل نظريا؛ إذ تتمثل في عالم الأفكار عملية الانتقاء الطبيعي نفسها التي كشفت عبقرية دارون عن أهميتها الهائلة في عالم الطبيعة، فليس من واجب المؤرخ أن يحيي ما أخفق في الصمود في صراع الأفكار، فطواه الموت والنسيان، لمجرد كونه قد وجد ذات مرة، أما ما صمد في معركة البقاء، فلا يكاد المرء يجد فيه ما يستطيع الإغضاء عنه، وهنا أيضا طبق مبدأ الانتقاء، إذ عرضت الشخصيات الكبرى في الفلسفة بإسهاب يزيد كثيرا على ذلك الذي عرضت به الشخصيات الثانوية، وإلى هذا الحد يمكن أن يعد اتساع نطاق العرض أو ضيقه - بمعنى ما - علامة على القيمة الباطنة للمفكر، ولكن لا يجوز تفسيره على أنه يحدد بشكل مباشر مكانة المفكر في سلم القيم.
وقد يتساءل المرء: ما معنى وما جدوى الاضطلاع بمثل هذه المهمة في وقت يتزايد فيه على الدوام إصرار الأمم على إغلاق أبوابها على أنفسها في وجه الأخريات، ويتزايد فيه التفاهم المتبادل صعوبة على الدوام؟ وما قيمة الفلسفة الإنجليزية لنا معشر الألمان اليوم؟ وما الذي نستطيع تعلمه منها؟ ولأي الأغراض المفيدة ينبغي أن نهتم بها؟ إن من المحتم علينا اليوم أن نواجه هذا السؤال ذا الطابع العملي المفرط، الذي كان جيل آبائنا خليقا بأن يعده غير متسق مع معنى البحث الأصيل وهدفه، فهذا السؤال متعلق بالسياسة أو بالسياسة والثقافة، ومن ثم فليس في وسعنا في الحالة الحاضرة أن نطرحه جانبا على أساس أنه مقتصر على مجرد التمتع بصورة الفكر الإنجليزي كما تعرض ها هنا، أو بزيادة أو إكمال معرفتنا بالموضوعات التي يفكر فيها أولئك الذين يفصلهم عنا القنال الإنجليزي (بحر المانش)، فهناك أولا حقيقة هامة هي أن الأحوال الحاضرة لا يمكن أن تظل قائمة على الدوام، وفضلا عن ذلك «يبدو من الضروري» - نظرا إلى الأحوال السياسية الحاضرة - أن تقام بيننا من الناحية الروحية تلك الجسور التي تعذر علينا إقامتها من الناحية السياسية، فنحن في هذه الأيام أحوج ما نكون إلى الاهتمام بكل ما يقرب بين الأمم ويساعدها على التفاهم المتبادل، ولا سيما إذا كان الأمر متعلقا بأمتين متقاربتين عرقيا كالإنجليز والألمان، فمن الواجب أن يكون هدفنا هو تقوية أواصر التفاهم وزيادته حيثما بدا ذلك ممكنا، وقد اضطلعت بمهمتي هذه وفي ذهني هدف صريح هو أن أقرب بين أذهان الأمتين وأشجع على تفاهمهما المتبادل؛ لذلك فإني أتوجه بندائي إلى الفلاسفة المحترفين، لا في ألمانيا فحسب، بل في إنجلترا وأمريكا أيضا، سائلا إياهم أن يتعاونوا من أجل تحقيق الأهداف الثقافية والسياسية التي ألف من أجلها هذا الكتاب، ورغم أن شعوري بأن ضيق نطاق دائرة قرائي - وهو أمر تحتمه طبيعة الموضوع - لا يمكنني إلا من المساهمة بنصيب محدود في سبيل تحقيق هذا الهدف، فإني مع ذلك أرى أن إمكان تحقيق هدفي هذا هو المشجع لي على الاضطلاع بهذه المهمة، والمبرر لقيامي بها.
وأخيرا، ينبغي أن أذكر أنه كان من حسن حظي أن أكون علاقات شخصية مع عدد كبير من الفلاسفة الإنجليز، ومنهم بوجه خاص كثير من الذين تناولهم هذا الكتاب، وقد أتيحت لي فرصة ذهبية لتحقيق هذا الهدف في مؤتمر الفلسفة الدولي السابع، الذي انعقد في أكسفورد في سبتمبر 1930، وخلال تلك الفترة الطويلة التي أقمتها في إنجلترا بمناسبة هذا المؤتمر، والواقع أن ما اكتسبته بالاتصال الشخصي والتبادل المباشر للأفكار كان أكبر قيمة في كثير من الأحيان من دراسة طويلة للكتب؛ فإلى جميع أولئك الذين عاونوني على هذا النحو، أود الآن أن أقدم آيات العرفان، وأخص منهم بالذكر صديقي ر. أ. آرون أستاذ الفلسفة في كلية ويلز الجامعية في آبريستويث والأستاذ «ت. أ. جيسوب» بكلية «هل» الجامعية، والمرحوم الدكتور «ف. ك. س. شيلر» بكلية «كوربوس كريستي» في أكسفورد؛ فقد ساهموا بالكثير في هذا الكتاب بما قدموه من معونة لم يكونوا يضنون بها علي في أي وقت، وبنصائحهم القيمة وتشجيعهم الدائم. وأخيرا - ولكن ليس آخرا - أود أن أشكر زوجتي على عطفها الحنون وتشجيعها الدائم وتعاونها الفعال خلال السنوات التي قضيتها في إعداد هذا الكتاب. وينبغي في الختام أن أذكر أن «جمعية مساعدة العلوم الألمانية» قد قدمت الأساس المادي لظهور هذا الكتاب بتبرع سخي من أجل سداد تكاليف الطباعة؛ فإليها يزجي المؤلف والناشر كل ما هي جديرة به من الشكر.
رودلف متس
هيدلبرج
نوفمبر 1934
Halaman tidak diketahui