Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
65

Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genre-genre

ولا تمتزج في هذه النظرية اتجاهات فكرية تجمع بين المذهبين الحسي والتطوري فحسب، بل تمتزج فيها أيضا اتجاهات فكرية إبستمولوجية وميتافيزيقية، وليس في وسعنا أن نعرض هنا الارتباطات الباطنة بين هذه الاتجاهات المتباينة، وهي الارتباطات التي لا تظهر بوضوح كامل في طريقة كليفورد المتقلبة في التفكير، غير أن كل حجة تؤدي في النهاية إلى عنصر واحد في فلسفته أصبحت له شهرة واسعة، هو نظرية «المادة الذهنية

mind-stuff ». وفي هذه النظرية يشير أولا إلى أن الانطباع أو الإحساس لا يلزم أن يكون في وعي يحويه، وإنما يكون أيضا أن يوجد بطريقة مستقلة «خارج» الوعي، أي إنه «شيء في ذاته»، ومطلق يكون وجوده «لذاته»، لا منسوبا إلى أي شيء آخر، وكل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه يحس

sentiur ، فالعناصر التي يتألف منها كل إحساس هي التي أسماها كليفورد «بالمادة الذهنية»، ولقد كان من السذاجة بحيث اعتقد أنه توصل بذلك أخيرا إلى حل المشكلة «الشيء في ذاته» عند كانت، وهو يصل إلى هذا الهدف ذاته عن طريق سلسلة أخرى من الحجج، فيحاول أن يبين أن مشكلة العلاقة بين المجال المادي والمجال النفسي ينبغي ألا تحل برد أحدهما إلى الآخر بوصفه مصدرا له، وإنما يسود المجالين تبادل وتناظر تام، يماثل في اكتماله ذلك التبادل والتناظر الموجود من جهة بين حروف الجملة عندما تقرأ أو تنطق، وبينها من جهة أخرى عندما تكتب أو تطبع. وذلك يعني في نظره أننا لسنا هنا إزاء شيئين مختلفين أساسا ومن حيث المبدأ، وإنما إزاء نفس الجوهر، الذي يبدو ماديا من وجهة معينة ونفسيا من الوجهة الأخرى. وهو يستخدم تعبير «المادة الذهنية» ليدل به أيضا على ذلك الجوهر الموحد الكامن وراء كل الوجود. وهنا أيضا يكون من الواضح أن المادة الذهنية ينبغي ألا تعد مستقلة عن كل وعي فحسب، بل يجب أن تعد سابقة عليه في الزمان أيضا؛ إذ ينبغي أولا أن تركز المادة الأولى المنتشرة في الكون في أثناء حالته المختلطة، وتدمج في تركيبات متكاملة، ومن المحال أن يصبح الوعي ممكنا قبل ذلك بحيث يتوقف المستوى الذي يبلغه الوعي على المستوى الذي يصل إليه تطور العناصر المادية. وينبغي أن ينظر إلى ما يبدو لنا «مادة» على أنه مؤلف بالمثل من مادة ذهنية، فكل ذرة وجسيمة فيها، بالإضافة إلى ماديتها، عنصر نفساني. ومن الواضح أن مذهب سبنسر في الكونيات يلعب دورا في تأملات كليفورد هذه، كما أن من الواضح أن فكرة «شمول النفس

panpsychism » هذه ليست إلا مذهبا ماديا لا يحجبه إلا قناع دقيق؛ إذ إن «المادة الذهنية» التي قال بها كليفورد، على الرغم من كونها تبدو فكرة جريئة إلى حد بعيد، هي بالفعل فكرة ميتافيزيقية معقدة التركيب، يتضح من الفحص الدقيق أنها لا تختلف اختلافا أساسيا عن «المادة» المألوفة.

ولدى كليفورد آراء في المنطق ومناهج العلوم الدقيقة لها قيمة فلسفية أعظم، وإن تكن شهرتها أقل كثيرا، وتتفق هذه الآراء في الأساس مع آراء ماخ، كما تتفق بوجه خاص مع آراء بيرسن، الذي كان يقف عن كثب منها، وشيد عليها مذهبا، والمبدأ الأساسي هو مبدأ «الاقتصاد في التفكير» الذي يؤدي هنا، كما يؤدي لدى المفكرين الآخرين، إلى استباق أفكار ظهرت فيما بعد في النظرية البرجماتية في المعرفة.

ويظهر التأثير المقلق لأفكار دارون وسبنسر أوضح ما يكون في آراء كليفورد الأخلاقية، التي اهتم بها اهتماما خاصا . ولقد كان كليفورد يعتقد، كما رأينا من قبل، أن إيماننا بالعالم الخارجي يرتكز على نوع من الغريزة الاجتماعية، ولا يمكن أن يضمنه التفكير النظري البحت، ومثل هذا يقال في الأخلاق، فهنا أيضا تكون الحقيقة الرئيسية هي أن الفرد ليس شيئا في ذاته ولذاته، بل إن وجوده كله إنما ينحصر في كونه عضوا في كل اجتماعي يدعم الفرد ويحيط به، وهنا يدخل كليفورد فكرة رئيسية هي فكرة «الذات القبلية

Tribal Self » وهي فكرة استحدثها هو، وأصبحت بفضله مشهورة. والمقصود عنده بهذا اللفظ ذلك الإحساس الذي هو موروث ومكتسب في آن واحد، والذي يؤدي إلى إدراك ما يخدم مصالح القبيلة أو الجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد. والذي يحدث أولا هو أن الذوات المنفصلة التي تنشأ منها «الذات القبلية» بالتدريج، تكون في البداية مدفوعة بالسعي وراء اللذة، والميل إلى إشباع حاجاتها الفردية. غير أن الذات الفردية تمتد إلى الذات القبلية بقدر ما تترك جانبا مصالحها الأنانية وتدافع عن مصالح القبيلة وكأنها مصالحها الخاصة، ويكون نمو الفرد هذا عملية تطور اجتماعي في نفس الوقت. غير أن الذات الخاصة والذات الاجتماعية تكونان في الحياة البشرية في صراع دائم، وحيث تكون الذات الاجتماعية نامية، فإنها تعارض الدوافع الأنانية للذات الخاصة، وهي الدوافع التي تتعارض مع مصالح المجتمع، وتجعل المرء يستاء من مسلكه الخاص. وفي هذه الإدانة للذات الفردية بوساطة الذات الجماعية يرى كليفورد أن ظاهرة الضمير تعبر عن نفسها، بوصفها صوت «الذات القبلية» وقد نما وتهذب عن طريق الانتقاء الطبيعي؛ وعلى ذلك فالخير (أو الشر) الأخلاقي، بالنسبة إلى أخلاق كليفورد القبلية أو الاجتماعية، هو ما ينفع القبيلة (أو يضرها)، أو بتعبير أقرب إلى الروح الداروينية، هو ما يزيد (أو ينقص) من كفاءتها أو قدرتها على البقاء. وهدف الأخلاق هو تدريب الفرد على أن يصبح أكمل عضو ممكن في المجتمع، أي أن يصبح شخصا يسكت صوت مصالحه الخاصة ولا يعترف إلا بمصالح القبيلة، أو أن يكون - حسب تعبير كليفورد - مواطنا صالحا. فإذا ما جردنا هذه الأفكار من ردائها التطوري، كان من الواضح أنها تنطوي على مساهمة قيمة في الأخلاق الاجتماعية المثالية، فكليفورد ينبذ صراحة الأخلاق المبنية على مذهب اللذة، ومبدأ «أعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس»، وعلى الرغم من أنه هو ذاته لم يتحرر تماما من نوع من مذهب المنفعة المتسامي، وظل أسير القيود الداروينية، فإن مذهبه، كما هو واضح، يمثل حلا للمشكلة الأخلاقية أفضل بكثير من ذلك الذي استطاعت الفلسفة الأخلاقية الإنجليزية أن تقدمه. ومما زاد في نجاح أفكاره في هذا الميدان، وأكسبه احترام المفكرين، حتى من لم يكن منهم يستطيع الموافقة على آرائه في الميادين الأخرى، أنه لم ينشرها على أنها مذهب جاف، وإنما بث فيها قوة شخصيتها وحماستها الدافقة.

كذلك اتسم موقف كليفورد من الدين بنفس هذه الغرابة المتحمسة؛ فهو هنا كان يعارض كل حل وسط، وينفر من أي نوع من الإذعان للسلطات الكنسية، على النحو الذي كان من الشائع أن يدعو إليه في إنجلترا حتى أولئك المفكرون الذين لا يكترثون بالدين. وهكذا وقف يدافع بتعصب حقيقي عن عدم الإيمان، ولم يجد غضاضة، في إنكاره لله، أن يعامل الديانات الوضعية بقسوة شديدة، ويصب جام غضبه على الكنيسة والعقيدة والكهنوت وكأنه واحد من رسل عصر التنوير ينفس عن كراهيته المكبوتة، فهو قد أسمى المسيحية «وباء فظيعا دمر حضارتين». وأعرب عن سخطه الأخلاقي الشديد على التأثير الضار للقساوسة، الذي رأى أنهم الأعداء الحقيقيون للإنسانية، وأنهم خطر دائم على الدولة والمجتمع والأخلاق الحقة. ولكن حتى هذا العدو المرير لكل ما هو ديني لم يستغن عن نوع من البديل للإيمان الديني، فقد وجد ملجأ في عبادة الكون، ووقف في خشوع وتقديس أمام نظامه واطراده الرائع، وأطلق على الشعور الذي كان ينتابه في هذا الصدد «العاطفة الكونية

cosmic emotion »، وأقر بأنها توجد - كما قال كانت في كلمته المشهورة - كلما تأمل المرء السماء المرصعة بالنجوم فوقه والقانون الأخلاقي في داخله. غير أنه وضع الإنسان موضع الله، وكان كل إيمان حي موجها في نظره إلى تمجيد للإنسان والإشادة به. وقد دافع مثل كونت عن «عقيدة الإنسانية» وكتب بشيء من المبالغة عن الإنسان الأب الذي ينظر إلينا من فجر التاريخ ومن الأعماق الخفية لكل روح بنار الشباب الأزلي ويقول: «قبل أن توجد الآلهة كنت هناك.» كما كتب في موجة حماسة، عند ختام بحثه في «العاطفة الكونية» يقول «إن من يستطيعون قراءة علامات الزمان سيقرءون فيها أنه قد آن أوان مملكة الإنسان.» غير أن معبد هذه العقيدة كان بالنسبة إلى كليفورد بناء العلم الشامخ، وكان أمله معقودا على العلم في تحقيق أي تقدم مقبل لروح الإنسان.

على أن الإجابة عن السؤال عن إمكان التوفيق بين الداروينية والدين لم تكن دائما النفي القاطع، كما في حالة كليفورد، وإنما ظلت المشكلة بالنسبة إلى تلميذ آخر لدارون، هو جورج جون رومانس

Halaman tidak diketahui