Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Genre-genre
ولقد تمثل المذهب التطوري الطبيعي
Naturalistic evolutionism
في المجال الفلسفي على التخصيص، في مذهب هربرت سبنسر
Herbert Spencer (1820-1903)، وهو المذهب الذي وصلت به تلك الفلسفة التي ظلت على ولائها للتراث القومي الإنجليزي إلى القمة، وبلغ بها القرن التاسع عشر خاتمة مطافه ونقطة اكتماله . ولقد سيطر سبنسر على الميدان الفلسفي في إنجلترا في الأعوام الثلاثين الأخيرة من القرن التاسع عشر، على نفس النحو الذي سيطر به مل وهاملتن وبنتام وريد وهيوم على هذا الميدان في أيامهم، وهو واحد من الفلاسفة الإنجليز القلائل الذين ذاعت شهرتهم خارج إنجلترا أثناء حياتهم، بل لقد اكتسب شهرة عالمية؛ فذاع اسمه في روسيا والصين واليابان مثلا، فضلا عن أوروبا وأمريكا، وترجمت مؤلفاته إلى كل لغات الشعوب المتمدينة تقريبا. ولم يكن السبب في هذا النجاح الفريد هو القيمة الكامنة لكتاباته، بقدر ما كان تمكنه من الجمع بين خيوط فكرية متعددة بعثتها النظرية الداروينية، ومن نسج هذه الخيوط كلها في مذهب فلسفي متماسك، ففلسفته كانت تعبيرا ظهر في أوانه عن الأفكار السائدة في أيامه.
ولم يكن التعليم الذي تلقاه يقل لفتا للنظر عن الشهرة التي واتته قرب نهاية حياته، فبعد تعليم بسيط رفض على أثره منحة للتعليم الجامعي، أصبح لمدة قصيرة معلما بمدرسة ابتدائية، ثم مهندسا بالسكك الحديدية بضع سنوات ثم صحفيا، وبعد ذلك انتقل إلى احتراف الكتابة. ولما كانت كل جهوده السابقة للحصول على منصب ثابت قد ذهبت هباء، فقد ظل كاتبا مستقلا حتى نهاية حياته، واستنفد في تأليف كتبه تلك الطاقة الضئيلة التي خلفتها له صحته المعتلة، فحياته كلها قد استنفدت في صراع بطولي من أجل صياغة أفكاره الفلسفية، ولم يتمكن من التغلب على كل الصعاب والوصول بعمله إلى تمامه إلا بفضل قوة تحمله الهائلة وإيمانه الراسخ برسالته، وتشمل كتاباته مجموعة رائعة من المجلدات الضخمة، وعددا من الرسائل الأصغر حجما، ومجموعة كبيرة من الأبحاث والمقالات، ومؤلفه الرئيسي هو «مذهب في الفلسفة
System of Philosophy » وهو عمل ضخم يبلغ حجمه عشرة مجلدات، وقد أعلن عن اعتزامه تأليفه في سنة 1860، وتم بعد ستة وثلاثين عاما بعد جهد لا يكل. ويمثل هذا العمل جهدا لا يكاد يكون له مثيل في تاريخ الفلسفة في شموله، واتساق خطته، وضخامة العقبات التي كان يتعين عليه مواجهتها.
2
ولقد كان سبنسر رجلا علم نفسه بنفسه بأدق معاني هذه الكلمة، ولما لم يكن له أستاذ، فإنه لم يكن في حاجة إلى أن يقدس تعاليم أي أستاذ، ولما لم يكن هناك، من بين المفكرين البارزين، من كان أقل منه احتفالا بأفكار الفلاسفة السابقين عليه والمعاصرين له، فبلغ به الاستغراق في أفكاره الخاصة حدا جعله منعزلا، في ترفع، عن البيئة الفلسفية التي كان يعيش فيها، ومما ساعد على هذا الانعزال ذلك التقطع الذي كان يتسم به تعليمه، وعلى الأخص ضآلة معرفته باللغات الأجنبية، وهو نقص لم يحاول تلافيه قط. ولقد ظل حتى النهاية رجلا ثقف نفسه بنفسه، غير محمل بأثقال التاريخ السابق عليه، مفتقرا إلى الثقافة ذات الطابع الأعمق، ومنحصرا في نطاق مشاكله وأفكاره الخاصة. ولم يكن يعرف عن فلسفة اليونان والألمان أكثر مما استطاع أن يلتقطه من الأصدقاء ومن الكتب المدرسية الهزيلة الشائعة في ذلك الحين. وإنه لغريب حقا أن ذلك الرجل الذي عده الكثيرون أهم مفكر فلسفي في القرن التاسع عشر، لم يكد يتأثر على الإطلاق بإيمانول كانت أعظم مفكري العصر الحديث. وقد روي عنه أن محاولته الوحيدة لاستجلاء غوامض نقد العقل الخالص، قد توقفت ولما يقرأ في الكتاب إلا الصفحات القلائل الأولى. ومن جهة أخرى فقد كان لديه إحساس مرهف، يتلاءم مع عصره، ونظرا إلى أنه أدمج في مذهبه أفكارا كثيرة كانت هي الأفكار الرائدة في عصره، وإن لم تزل عندئذ مخيمة في الجو - إن جاز هذا التعبير - فقد أصبح المتحدث الرسمي باسم الفلسفة في عصره؛ ولهذا السبب فإن مذهب هذا الفيلسوف الذي كان أكثر تحررا من القيود التاريخية من كل من عداه، قد اندمج في السياق التاريخي للفلسفة على نحو أكمل من أي مذهب فلسفي آخر، وذلك بفضل ما قد يبدو لأول وهلة خدعة من التاريخ. وتحولت عزلته الذاتية إلى عكسها، أي إلى اندماج طبيعي آلي حتمي في المجرى الموضوعي للتاريخ الفلسفي. وفي ضوء هذه الاعتبارات نستطيع أن ندرك بوضوح لماذا كان مذهب سبنسر صالحا بالنسبة إلى وقته فحسب، ولماذا كان نصيبه من الأصالة قليلا، فهو لم يتوسع في التجريبية والوضعية اللتين ورثهما من الماضي ولم يعمقهما. أما المحتوى الباقي لذلك المذهب، وهو المحتوى المستمد من الأبحاث العلمية السائدة عندئذ، فقد جعل ذلك المذهب تعبيرا عن موقف تاريخي فريد محدد المعالم، بحيث إنه عندما تغير ذلك الموقف فقد المذهب بالضرورة الجزء الأكبر من قيمته. ولما كان التغير قد بدأ أثناء حياة سبنسر، واتخذ صورة رجحان لكفة العلوم الرياضية الفيزيائية على العلوم البيولوجية والاجتماعية، فإن مذهب سبنسر لم يكد يبقى فيه الآن رمق من الحياة، بعد جيل واحد على اكتماله. وهكذا فإن هذه الحلقة الأخيرة في سلسلة فكرية يرجع امتدادها إلى بيكن، قد أصبح يتراكم عليها الآن من التراب ما يزيد على ما يعلو أية حلقة من الحلقات الأخرى الكبرى في هذه السلسلة.
وعلى الرغم من ذلك فإن سبنسر قد أعاد إلى الفلسفة الإنجليزية الاتجاه إلى تكوين مذهب متكامل، وليس ثمة تناقض واضح بين مثل هذا الاتجاه وبين النزعة التجريبية في الفكر، غير أن الذي حدث في واقع الأمر هو أن هذه النزعة الأخيرة لم تكن تقر الاتجاه الأول. ومن المؤكد أن ما تتصف به الفلسفة الإنجليزية من افتقار غريب إلى المذاهب، لا بمعنى الافتقار إلى التأمل النظري فحسب، بل إلى البناء المتكامل المتناسق أيضا، يبدو بالفعل راجعا آخر الأمر إلى التعلق التام المطلق بالتجربة، التي يكون الانتقال منها إلى ما هو مركب أصعب من الانتقال إليه من الفكر المحض. ولقد كان الفيلسوفان الكبيران الوحيدان اللذان شيدا مذاهب في الفترة المتقدمة هما بيكن وهبز، ثم حدث انقطاع طويل الأمد، وكان سبنسر أول فيلسوف بعد هبز يخوض مغامرة تشييد مذهب، وكان المذهب الذي توصل إليه أوسع نطاقا وأشد إحكاما من مذهب أي من السابقين عليه؛ فهو يحتل، على طريقته الخاصة، موقعا فريدا في الفكر الإنجليزي. ومن المشكوك فيه أن يكون قد تأثر بهيجل وكونت، وهما الفيلسوفان الآخران الوحيدان القريبان منه زمنيا، واللذان خاضا غمار مهمة مشابهة. ومن المرجح أن كونت هو الذي كان خليقا بأن يؤثر فيه، ولكن الأرجح من ذلك بكثير أن فكرة تنظيم المعرفة التجريبية في مذهب دقيق قد نشأت من تصور سبنسر الخاص لما ينبغي أن تكون عليه الفلسفة؛ ذلك لأنه ميز بين ثلاث درجات للمعرفة؛ المعرفة اليومية، والعلمية، والفلسفية، وذلك في ترتيب تصاعدي في العمومية والوحدة، بحيث تكون مهمة الفلسفة هي السعي إلى إيجاد مركب أعلى يتألف من المركبات الجزئية التي تصطنعها العلوم الخاصة، ومن المعارف الأخرى التي لم تنظم على الإطلاق، ومثل هذه النظرة تشبه نظرة كونت، ومن بعده «فنت
Wundt » «وريل
Halaman tidak diketahui