151

Falsafah Inggeris dalam Seratus Tahun (Bahagian Pertama)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genre-genre

وإذن فالحاجة الخالصة ليست بذاتها شيئا، وإنما هي تشير دائما إلى شيء أعلى، أي إلى الفعل الأخلاقي، وإلى ما نعزوه دائما إلى أنفسنا، وما نشعر بأننا مسئولون عنه. ويميز جرين تمييزا قاطعا بين الفعل الأخلاقي وبين الفعل الغريزي البحت، ويسمى الأخير نفيا للأول. وهو يبين أنه على حين أن شروط أفعالنا قد تنشأ من المجال الطبيعي، فإن بواعثنا لا يمكن أن تنشأ من هذا المجال؛ فالباعث لنا على الفعل هو دائما عمل من أعمال الوعي الذاتي، وهذا لا ينتمي إلى المجال الطبيعي وإنما إلى المجال الأخلاقي، فالمسئولية التي نضطلع بها عن الفعل هي التي تجعله أخلاقيا، حتى لو كان الحافز إلى الفعل أو إلى التعجيل به مجرد حاجة حيوانية. ونحن ننسب الفعل إلى شخصيتنا، والشخصية هي وحدة حاجاتنا المتعاقبة زمنيا، أي إن هناك في جميع أفعالنا وعي يظل على ما هو عليه، يمارس فاعليته على حاجات أصلها حيواني، ويرتفع بها إلى مستوى المجال الأخلاقي. والهدف من كل هذه الأفكار، التي لا نستطيع هنا أن نتابعها في تفاصيلها، هو التفرقة القاطعة بين العالم الأخلاقي وبين الظروف الطبيعية التي ينشأ منها، والتي يظل مغلفا بها.

والإنسان هو موضوع الفعل الأخلاقي. وإنه لمما يهم الأخلاق أكثر مما يهم الميتافيزيقا ذاتها أن يكون الإنسان منتميا إلى عالمين، فيكون ابنا للطبيعة وفي الوقت ذاته مخلوقا لله. وفكرة وجود جوانب تجريبية وجوانب عقلية في الإنسان هي سمة أخرى من السمات الكانتية المنبثة في مذهب جرين الأخلاقي. فنظرا إلى وجود مبدأ إلهي فعال في الإنسان، لا يستطيع الإنسان أن يقنع بالوجه الطبيعي لحياته فحسب، وإنما يصبو على نحو متزايد إلى الحياة الأعلى الموجودة فيه، وتدفعه القوى اللامتناهية الكامنة فيه إلى أن يحقق ذاته الأصيلة ويبلغ غايته الأخلاقية عن طريق كفاح مستمر. وعلى ذلك فالفرض الذي تبنى عليه كل حياة أخلاقية هو المبدأ الإلهي الذي لا يحقق ذاته إلا في شخصيات إنسانية. وماهية الشخصية المتناهية إنما هي كونها علة حرة، شأنها شأن الوعي الأزلي، فكل حادث طبيعي منحصر في نسق أعلى، وهو نتيجة حادث سابق وعلة حادث لاحق . وما لم نبلغ مستوى المعرفة، فإننا لا نستطيع أن نصل إلى تجربة العلية الحرة، أي لعلة يمكنها إحداث معلولات دون أن تكون هي ذاتها نتيجة لعلة سابقة. ورغم اندماج الإنسان، في جانبه الحيواني، بالشروط الطبيعية ، فإنه يستطيع، بوصفه كائنا عارفا، أن يرتفع بنفسه فوق الطبيعة ويتحكم في ذاته، ويكون الإنسان فاعلا حرا بقدر ما تكون لديه، على خلاف الحيوانات العجماوات، معرفة، ومعرفة بذاته (أي يكون عارفا بذاته بوصفه عارفا). ومن الواضح هنا أيضا أن جرين لم يحل مشكلة علاقة الحرية البشرية بالحرية الإلهية، وإنما اكتفى بتأكيد الحرية البشرية عن طريق تشبيهها بالحرية الإلهية، وهكذا قال في استسلام «علينا أن نقنع بالقول إن الأمر كذلك، مهما بدا فيه من غرابة.»

41

وعندما يصل جرين إلى المهام والغايات العينية للحياة الأخلاقية، يلتزم الطريق الذي حدد معالمه كانت وفشته. فالقيمة المطلقة للشخصية الإنسانية هي مبدؤه الأول، الذي يتلو منه شرط المساواة والإخاء بين جميع الناس. فليس لأحد أن يسعى وراء أي خير، سواء لنفسه أو لأي شخص غيره، بوسائل قد تنال من خير الآخرين، وليس لأحد أن يحكم على الناس المختلفين بمعايير مختلفة. ولما كان لكل شخص إنساني قيمة مطلقة، فمن الواجب أن تعامل الإنسانية في كل فرد على أنها غاية على الدوام، لا على أنها وسيلة. ولا يمكن تحقيق الخير بمعناه الصحيح إلا إذا كان لكل شخص كيانه الذي يلتزم كل شخص آخر بالاعتراف به واحترامه. وقوام التقدم الأخلاقي إنما يكون في إدراكنا المتزايد للحقيقة القائلة إن الغاية الحقيقية للإنسان لا تكون في المظاهر الخارجية للخير، وبالتالي لا تكون في الفضائل التي نكتسب بها هذا الخير الخارجي، وإنما تكون كلها في الفاعلية الفاضلة منظورا إليها بوصفها غاية في ذاتها. فالموضوع الوحيدة الذي هو أساسي وله قيمة مطلقة، بالنسبة إلى الإنسان، هو كمال الشخصية الأخلاقية منظورا إليه على أنه تحقيق للذات الأصيلة. ولقد أدرك جرين أن الفكرة الأساسية في هذا المثل الأخلاقي الأعلى، الذي وجد أعلى تعبير عنه، في العصور الحديثة، في المثالية الألمانية ، كانت موجودة ولها أثرها في كل من أفلاطون وأرسطو (اللذين أشار إليهما صراحة)، ولكن على الرغم مما عزاه إلى الفلسفة اليونانية من قيمة رفيعة، فقد رأى أن المسيحية، عندما أدخلت مصادرات المساواة والإخاء بين البشر (وهي فكرتها الاجتماعية المميزة)، قد وسعت المجال الأخلاقي إلى حد بعيد، وإن لم تكن قد غيرت المثل اليوناني الأعلى؛ ومن ثم فقد أعطى مكان الصدارة للمثل المسيحي الأعلى، ورأى أنه يمثل خطوة عظيمة الأهمية إلى الأمام.

وإن مذهب جرين الأخلاقي ليمثل، في تطور الفلسفة في إنجلترا، انشقاقا أشد، وتغييرا أعمق من أي شيء حققه في المجال النظري بمعناه الضيق، فهو في الأخلاق قد ضرب على وتر لم يسمع من قبل في إنجلترا أبدا. ففي مذهبه الأخلاقي، كما في نظرية المعرفة عنده، نراه يهاجم المذهب التجريبي، ويرى أن رسالته في الحياة، والخدمة التي سيقدمها إلى عصره، إنما هي الحملة على أخلاق اللذة، إلى جانب ما عرضه من أفكاره الخاصة. فكيف يمكن تحقيق الغايات الرفيعة للمثل الأخلاقي الأعلى إذا لم يكن لسلوك الإنسان من مصدر سوى طلب اللذة وتجنب الألم؟ إن اللذة، بما هي كذلك، لا ارتباط لها بالأخلاق، مثلما لا ترتبط بها الحاجة بما هي كذلك. وهي لا تكتسب دلالة أخلاقية إلا عندما تدخل في علاقة مع وعي يعرفها بوصفها لذة، وعندئذ لا تعود لذة مجردة، وإنما تتحول وترتفع إلى مستوى أعلى، وتغدو عنصرا في الحياة الأخلاقية. وبالمثل فإن مجرد إضافة اللذة إلى اللذة، وموازنة مقدار منها بمقدار آخر، هو عمل لا معنى له، بل هو عمل مستحيل؛ إذ إن اللذة بما هي كذلك، مجردة من الموضوع الذي تتعلق به، والشروط التي تظهر فيها، تكون غير محددة على الإطلاق؛ وبالتالي لا يمكن إدراكها بوصفها حسا محضا. ومن الجائز بالفعل أن يقترن بلوغ الهدف المرغوب فيه باللذة، ولكنها لا يمكن أن تكون هي ذاتها موضوعا للرغبة، وإن طابع اللذة في الخير الذي نصل إليه ليتوقف على خيرية هذا الخير، وليست هذه الخيرية هي التي تتوقف على ما تجلبه من لذة. وهكذا يرفض جرين مذهب اللذة بأكمله بوصفه غير مقنع من الوجهة النظرية، وله نتائج خطرة من الوجهة العملية.

وبعد هذا الرفض القاطع لمذهب اللذة، يكون مما يدعو إلى الاستغراب حقا أن نرى جرين يعترف بالفضل العملي الرفيع الذي أسداه مذهب المنفعة إلى الأخلاق، فهو، مع إنكاره قضية مذهب المنفعة القائلة إن الخير الأسمى هو أكبر كمية ممكنة من اللذة، قد اتفق رغم ذلك مع بنتام في مصادرته القائلة بأكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس، واعتقد أن مذهب المنفعة قد تمكن، بفضل هذا التمييز، من القضاء على الفوارق الطبقية، ومن تنمية الحاسة الاجتماعية، والمساهمة في حل مشكلات الإصلاح الاجتماعي والسياسي، بل إنه تخيل صيغة للنظرية النفعية مطهرة من أساسها القائم على فكرة اللذة. هذا التحول الملحوظ من الأخلاق الكانتية، التي تقصر اهتمامها على النزوع أو الاستعداد، إلى التقدير النفعي على أساس النتائج، يحدث في الباب الرابع من كتابه «مقدمة للأخلاق»، دون أن يكون قد ظهر في الأبواب السابقة أي أثر ملحوظ له، وربما كان للمؤثرات الخارجية دور في إحداث هذا التغيير. وعلى أية حال فإن مذهب المنفعة قد وجد في شخص جون ستيوارت مل وفي مؤلفاته المعاصرة، تجسدا رفيعا ونبيلا في آن واحد، وبالتالي مقبولا تماما لمفكر له ذهن مثالي، لا سيما إذا كانت له ميوله الاجتماعية والإنسانية مثل جرين. وهكذا فإن مثالية جرين الأخلاقية، على الرغم من معارضتها الشديدة لمذهب السعادة النفعي على أسس إبستمولوجية وميتافيزيقية، قد اتفقت مع هذا الأخير عندما وصلت إلى مرحلة البحث في المطالب الأخلاقية بصورة عينية، وتغلغلت في المذهبين معا روح إنسانية واجتماعية أصيلة.

42

ومع ذلك لا يسع المرء إلا أن يشعر بأن تلك النقاط التي تسامح فيها جرين مع مذهب المنفعة، مهما كان من نبل الباعث إليها، قد أدخلت عنصرا غريبا غير منسجم في التركيب العام لفلسفته، وأن الرجل الذي كانت نقطة بدايته هي إدراك عدم كفاية فلسفته القومية، وأخذ على عاتقه أن يعلن لمواطنيه حقيقة جديدة تماما بالنسبة إليهم، أحس بها إحساسا عميقا، لم يتمكن بعد هذا كله من التخلص تماما من الماضي في تفكيره الخاص، وظل نفس العدو الذي تصدى لمحاربته، والذي هاجمه بنجاح باهر؛ ظل في صدره غير مهزوم تماما. ولم يكن جرين أول من وضع تمييزا قاطعا بين الأخلاق المثالية عند الألمان وبين مذهب المنفعة القومي، وإنما كان أول من فعل ذلك هو برادلي في كتابه «دراسات أخلاقية

Ethical Studies » (1876)، ولكن هذا الكتاب لم يلق انتباها كبيرا في ذلك الوقت.

أما فلسفة جرين السياسية، فإنها، على خلاف فلسفته الأخلاقية التي عرضها في كتاب انتوى نشره وأعد معظمه بالفعل للنشر، قد وصلت إلينا في صورة محاضرات أشرف على نشرها شخص آخر من بين مخلفاته، ومن ثم فإن أهميتها الفلسفية أقل. فمذهبه في المجتمع وفي الدولة هو مجرد امتداد لمبادئه الأساسية للأخلاق في مجال الحياة الاجتماعية، فالفرد والدولة يفترض كل منهما الآخر ويتحكم فيه، ولا يمكن تحقيق الشخصية الأخلاقية إلا في المجتمع ومن خلاله. ولكن رغم أن جرين أكد العامل الاجتماعي بقوة، واعترف بما فيه الكفاية بأهمية الدولة، فإنه هنا أيضا يتوقف كعادته في منتصف الطريق؛ ذلك لأن فكرة الشخصية الأخلاقية التي أخذها عن كانت وفشته، والتي عمقت إلى حد بعيد، لم تمنعه من العودة إلى الفردية المأثورة عن الإنجليز؛ فظل يضع الفرد، منظورا إليه على أنه مستقل وحر، قبل الأفراد المنتمين إلى مرتبة أعلى كالمجتمع والدولة والأمة. وهكذا فإن عدم تحرره تماما من قيود التراث القومي، قد حال بينه وبين استخلاص تلك النتائج الجريئة التي استخلصها هيجل. وليس من الممكن تفسير ضآلة تأثير هيجل في فلسفته الأخلاقية إلى هذا الحد الذي يدعو إلى الدهشة، إلا في ضوء الحالة السياسية في إنجلترا. ولا بد لنا - لكي نصادف اعترافا غير متحفظ بالنظرية الهيجلية في الدولة - من أن ننتظر حتى يظهر بوزانكيت وغيره من الأفراد الذين هم أحدث عهدا في هذه المدرسة.

Halaman tidak diketahui