وأول من قال لا أطلب أثرًا بعد عين: مالك بن عمرو العامليّ. وكان من حديث ذلك أن بعض ملوك غسان كان يطلب في بطن عاملة ذَحْلًا، فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك بن عمرو وسِماكٌ أخوه، فاحتبسهما عنده زمانًا، ثم دعا بهما فقال لهما: إني قاتل أحدكما فأيكما أقتلُ فجعل كل واحد منهما يقول: اقتلني مكان أخي. فلما رأى ذلك قتل سِماكًا وخلَّى سبيل مالك، فقال سِماكٌ حين ظن أنه مقتول:
أَلا مَن شَجَتْ لَيْلَةٌ عامِدَهْ ... كما أبدًا لَيْلَةٌ وَاحِدهْ
فَأبْلِغ قُضاعَة إِنْ جِئْتَها ... وخُصَّ سَراةَ بني سَاعِدَهْ
وأَبْلِغْ نِزارًا على نأْيِها ... بِاَنَّ الرِّماحَ هي العائِدَهْ
فأُقْسِمُ لو قَتَلوا مالِكًا ... لَكُنْتُ لهم حَيَّةً راصِدَهْ
برأْسِ سَبيلٍ على مَرْقَبٍ ... ويومًا على طُرُقٍ وارِدَهْ
فَأُمَّ سِماكٍ فلا تَجْزَعي ... فَلِلْمَوْتَ ما تَلِدُ الوالِدَهْ
فانصرف مالك إلى قومه فلبث فيهم زمانًا. ثم إن ركبًا مروا وأحدهم يتغنَّى:
فأُقْسِمُ لو قَتَلوا مالِكًا ... لَكُنْتُ لهم حَيَّةً راصِدَهْ
فسمعت ذلك أم سماك فقالت: يا مالك قبَّح الله الحياة بعد سماك. اخرج في الطلب. فلقي قاتل أخيه يسير في ناس من قومه. فقال: من أحَسَّ ليَ الجَمَلَ الأحمر؟ فقالوا له وعرفوه: يا مالك لك مائة من الإبل وكُفَّ. فقال: لا أطلب أثرًا بعد عين. فذهب قوله مثلًا. ثم حمل على قاتل أخيه فقتَلَه، وكان من غسان من بني قُمَيْر في ذلك:
1 / 45