مزدك : حول سنة 487م ظهر في فارس مزدك، ويقول الطبري: إنه من أهل نيسابور، ودعا إلى مذهب ثنوي جديد، فكان يقول أيضا بالنور والظلمة؛ ولكن أكبر ما امتاز به «تعاليمه الاشتراكية»، فكان يرى أن الناس ولدوا سواء فليعيشوا سواء؛ وأهم ما تجب فيه المساواة المال والنساء، قال الشهرستاني: «وكان مزدك ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال، فأحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ»، وقال الطبري: «قال مزدك وأصحابه: إن الله إنما جعل الأرزاق في الأرض ليقسمها العباد بينهم بالتآسي؛ ولكن الناس تظالموا فيها، وزعموا أنهم يأخذون للفقراء من الأغنياء، ويردون من المكثرين على المقلين، وأن من كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأولى به من غيره، فافترض السفلة ذلك واغتنموه، وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم فابتلي الناس بهم، وقوي أمرهم، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، وحملوا «قباذ» على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى صاروا لا يعرف الرجل منهم ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به»، وقال في موضع آخر: «وكان مما أمر به الناس وزينه لهم وحثهم عليه، والتآسي في أموالهم وأهليهم، وذكر أن ذلك من البر الذي يرضاه الله ويثيب عليه أحسن الثواب، وأنه لو لم يكن الذي أمرهم به وحثهم عليه من الدين، كان مكرمة في الفعال، ورضا في التفاوض» ... إلخ
9 .
فترى من هذا أن تعاليمه اشتراكية من أسبق الاشتراكيات في العالم، ويقول الأستاذ «نولدكه»: «إن الذي يميز مزدك عن الاشتراكية الحديثة ما لتعاليمه من الصبغة الدينية» وكانت له تعاليم روحية أخرى، فقد كان يعلم القناعة والزهد، وحرمة الحيوان فلا يذبح.
وقد اعتنق مذهبه آلاف من الناس ولكن قباذ نكل به وبقومه، ودبر لهم مذبحة سنة 523م كاد يستأصلهم بها.
ومع هذا فقد ظل قوم يتبعون مذهبه، حتى إلى ما بعد الإسلام، وذكر الإصطخري وابن حوقل أن سكان بعض قرى كرمان كانوا يعتنقون المزدكية طول عهد الدولة الأموية.
ونلمح وجه شبه بين رأي أبي ذر الغفاري وبين رأي مزدك في الناحية المالية فقط، فالطبري يحدثنا أن أبا ذر: «قام بالشام وجعل يقول: يا معشر الأغنياء! واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس»، ثم بعث به معاوية إلى عثمان بن عفان بالمدينة حتى لا يفسد عليه أهل الشام، ولما سأله عثمان: ما لأهل الشام يشكون ذربك؟ قال: لا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالا، فترى من هذا أن رأيه قريب جدا من رأي مزدك في الأموال، ولكن من أين أتاه هذا الرأي؟ يحدثنا الطبري أيضا عن جواب هذا السؤال فيقول: «إن ابن السوداء لقي أبا ذر فأوعز إليه بذلك، وأن ابن السوداء هذا أتى أبا الدرداء وعبادة بن الصامت فلم يسمعا قوله، وأخذه عبادة إلى معاوية وقال له: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر»
10
ونحن نعم أن ابن السوداء هذا لقب لقب به عبد الله بن سبأ، وكان يهوديا من صنعاء، أظهر الإسلام في عهد عثمان، وأنه حاول أن يفسد على المسلمين دينهم، وبث في البلاد عقائد كثيرة ضارة قد نعرض لها فيما بعد، وكان قد طوف في بلاد كثيرة: في الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر، فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن، واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها، وصبغها بصبغة الزهد التي كانت تجنح إليها نفسه، فقد كان من أتقى الناس وأورعهم وأزهدهم في الدنيا، وكان من الشخصيات المحبوبة التي أثرت في الصوفية. •••
ومما كان يتصل بعقائد الفرس الدينية وكان له أثر في بعض المسلمين أنهم كانوا ينظرون إلى ملوكهم كأنهم كائنات إلهية اصطفاهم الله للحكم بين الناس، وخصهم بالسيادة وأيدهم بروح من عنده، فهم ظل الله في أرضه، أقامهم على مصالح عباده، وليس للناس قبلهم حقوق، وللملوك على الناس السمع والطاعة، وهو معنى يشبه ما عرف في أوروبا بنظرية «الحق الإلهي
Divine right
Halaman tidak diketahui