188

Fajar Islam

فجر الإسلام

Genre-genre

مسند الإمام أحمد.

دائرة المعارف الإسلامية في مادة «حديث».

شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة.

جامع بيان العلم وفضله للقرطبي.

الفصل السابع عشر

التشريع

كان عرب الحجاز في الجاهلية - كما رأيت - بدوا أو شبه بدو، فلم تكن لهم حكومة منظمة، ولا ملوك يمنعون من تعدي بعضهم على بعض بما لهم من قوة تنفيذية، إنما كانوا قبائل، إذا كثر عددها انقسموا إلى بطون وأفخاذ وعشائر؛ والرابطة بين أفراد القبائل هي رابطة الدم، فكل من كانوا من دم واحد - ولو في زعمهم - عدوا كتلة واحدة لأفرادها الحق في التمتع بحمايتها، والاستصراخ بها، وعليها أن تدافع عنه، وتطالب بدمه، وعليه الذود عنها، والخضوع لعرفها ودينها، وكان لكل قبيلة شيخ هو صاحب السيادة على أفراد القبيلة، مكنته من هذه السيادة ولادته من بيت الرياسة أو سنه وحكمته، وهو الذي يمثلها في علاقاتها الخارجية بالقبائل الأخرى، وإنما كان يستمد قوته ونفوذه من الرأي العام لقبيلته، لا بما له من جيش وجنود ونحو ذلك.

وكان لكل قبيلة عرف وتقاليد، تشترك أحيانا في أمور وتختلف في أخرى تبعا لبعدها عن البداوة وقربها منها، وكان للقبيلة حاكم يحكم بين من تنازع منهم حسب تقاليدهم وتجاربهم، فالأغاني يقول في أكثم بن صيفي: «إنه كان قاضي العرب يومئذ»، والميداني يقول في عامر بن الظرب: «كان من حكماء العرب، لا تعدل بفهمه فهما، ولا بحكمه حكما»، ولو تتبعنا كتب الأدب لرأينا فيها أن العرب كانوا تارة يتحاكمون إلى شيخ القبيلة، وتارة إلى الكاهن، وتارة إلى من عرف بجودة الرأي وأصالة الحكم، ومن الصعب وضع حدود فاصلة لاختصاص كل، بل مما نشك فيه كثيرا أنه كان هناك حدود فاصلة في الواقع.

هؤلاء الحكام لم يكونوا يحكمون بقانون مدون، ولا قواعد معروفة، إنما يرجعون إلى عرفهم وتقاليدهم التي كونتها تجاربهم أحيانا، ومعتقداتهم أحيانا، وما وصل إليهم عن طريق اليهودية أحيانا، ولم يكن لهذا القانون الجاهلي المؤسس على العرف والتقاليد جزاء، ولا المتخاصمون ملزمون بالتحاكم إليه والخضوع لحكمه، فإن تحاكموا إليه فبها وإلا لا، وإن صدر الحكم أطاعه إن شاء، وإن لم يطعه فلا شيء أكثر من أن يحل عليه غضب القبيلة.

وقد روت لنا كتب الأدب كثيرا من قضاياهم في الخصومات الأدبية، وهي أن يتنازع سيدان أيهما أسود فيتحاكمان إلى حكم، فمن حكم له كان الفضل والشرف له ولعشيرته، والذل والعار للمنفور؛ وهذه القصص تدلنا على أن هؤلاء الحكام كانوا من قبيل ما نسميهم بالمحكمين، فلم يكن لهم سلطة مستمدة من الحكومة؛ إذ لا حكومة لهم تمدهم بالسلطان، ولا الخصوم ملزمون بالتقاضي أمامهم، وكل ما في الأمر أن الرجل إذا عرف بسداد الرأي، وصحة الحكم، وسعة العلم بوقائعهم ونسبهم نصبوه حكما، وروى لنا البخاري قضية جنائية حدثت قبيل الإسلام

Halaman tidak diketahui