114

Fajar Islam

فجر الإسلام

Genre-genre

ولهم في هذه الأنواع كلها الشيء الكثير، الذي أثر في الأدب العربي قديمه وحديثه، ونبغ منهم شعراء عدة في بلادهم وفي مستعمراتهم، وبقي من شعرهم إلى يومنا هذا ما يكفي لتصوير ذلك تصويرا بديعا.

ولهم غير الشعر كتابة راقية وخطابة، وأبحاث وافية منظمة في الكتابة والخطابة وعلم البيان، كالذي ترى في أبحاث أرسطو؛ ولهم مؤرخون أمثال هيرودوتس وتوسيديد، كتبوا التاريخ ونظموه بالقدر الذي يسمح به عصرهم.

ولما ذهب سلطانهم وأصبحوا إقليما رومانيا ضعفت آدابهم، ولكن ظل أهم ما وصلوا إليه محفوظا يتغذى به الرومانيون - على نحو ما كان بين الفرس والعرب - وظهر في هذا العصر أدباء ومؤرخون أمثال بلوتارك، ولوسيد.

ولكن هل تأثر العرب والمسلمون بهذه الآداب في هذا العصر - أعني العصر الأموي - كما تأثروا بالفلسفة اليونانية؟

يظهر لنا أن التأثير الأدبي كان ضعيفا، فإنا نرى الشعر العربي في العصر الأموي ظل حافظا لكيانه، يترسم الطريق الذي خطه له الشعر الجاهلي في بحوره وفي قافيته، حتى في موضوعاته؛ كانوا مقصرين في الجاهلية في شعر الملاحم وفي الشعر التمثيلي، فظلوا كذلك حتى في العصر العباسي.

ومن العسير العثور على معان يونانية وردت في شعرهم، ونفتش في هذا العصر عن شاعر أصله يوناني أو روماني تعلم العربية وشعر بها، فلا نجد، مع أنا وجدنا كثيرا - فيما سبق - من أصل فارسي أصبحوا شعراء في العربية؛ ونجد مؤرخي المسلمين في ذلك العهد تأثروا في طريقة تدوين الحوادث بالنمط الفارسي لا بالنمط اليوناني، ويتجلى ضعف التأثير اليوناني في العرب بضعف معلومات المسلمين عن الحياة الأدبية اليونانية حتى في العصر العباسي؛ فتاريخ اليونان عندهم يبتدئ بالإسكندر الأكبر أو قبله بقليل - امتلائه بالأساطير الخرافية - ولم يسمعوا كثيرا بتوسيديد؛ وقد سمعوا قليلا عن هوميروس، واستشهدوا منه بشيء قليل مقتضب مضطرب كالذي نراه في الشهرستاني، والكشكول لبهاء الدين العاملي.

وعلى الجملة يظهر لنا أن الآداب الفارسية كانت أكثر تأثيرا في الأدب العربي من الآداب اليونانية.

وعلة ذلك - على ما يبدو لنا - أن العرب وهم العنصر الحاكم كانوا متعصبين جد التعصب لشعرهم، لا يسمحون فيه بابتكار أو تحوير في الأساس؛ فنظم البيت، وبحر الشعر، وقافية القصيدة ونحو ذلك، أشياء مقدسة لا يصح أن تمس بسوء؛ بل الموضوعات التي يقال فيها الشعر كذلك، فتحرير القافية من قيودها الثقيلة، وزيادة بحر على البحور التي قال فيها الجاهليون، مهما كانت موسيقى البحور الجديدة مطربة، والقول في موضوعات جديدة لم تؤلف؛ كل هذه كانت في نظرهم انتهاكا لحرمة الأدب، بل هم كانوا حريصين في تقاليدهم على ما دون ذلك، ولعل خير ما يمثل هذا ما جاء في طبقات الشعر لابن قتيبة: «وليس لمتأخر الشعراء أن يخرج على مذهب المتقدمين في هذه الأقسام، فيقف على منزل عامر، أو يبكي على مشيد البنيان؛ لأن المتقدمين وقفوا على المنزل الدائر والرسم العافي، أو يرحل على حمار أو بغل ويصفهما؛ لأن المتقدمين رحلوا على الناقة والبعير، أو يرد على المياه العذاب الجواري؛ لأن المتقدمين وردوا على الأواجن الطوامي، أو يقطع إلى الممدوح منابت النرجس والآس والورد؛ لأن المتقدمين جروا على قطع منابت الشيح والحنوة

1

والعرار، قال خلف الأحمر: قال لي شيخ من أهل الكوفة: أما عجبت من الشاعر قال: أنبت قيصوما وجثجاثا، فاحتمل له، وقلت أنا: أنبت إجاصا وتفاحا، فلم يحتمل لي؟!

Halaman tidak diketahui