Licopolis (أسيوط) وتعلم في الإسكندرية ولازم أمنيوس نحو إحدى عشرة سنة، وقد التحق بحملة سارت لغزو فارس، لتعرف علوم الفرس والهنود، وسافر إلى رومة سنة 245 م، وأسس بها مدرسة للفلسفة ومات سنة 270 م، والعرب لم تعرف كثيرا عن أفلوطين هذا، ولكن تعرف مدرسته وتطلق عليها «مذهب الإسكندرانيين»، ويطلق عليه الشهرستاني «الشيخ اليوناني»، وقد نقل إليهم كثير من فلسفته معزوة خطأ إلى غيره، وقد ألف أفلوطين كتبا كثيرة حفظت عنه، ويطلق عليها اسم (التاسوعات) «إنيد
Enneads »؛ وتفرع مذهبه إلى فروع كثيرة، فكان منه فرع في الإسكندرية، وفرع في الشام، وفرع في أثينا، وله آراء في الطبيعة لا تهمنا الآن، وله آراء في الإلهيات نذكر طرفا منها:
يقول: إن هذا العالم كثير الظواهر، دائم التغير، وهو لم يوجد بنفسه، بل لا بد لوجوده من علة سابقة عليه هي السبب في وجوده، وهذا الذي صدر عنه العالم واحد غير متعدد، لا تدركه العقول ولا تصل إلى كنهه الأفكار، لا يحده حد، وهو أزلي أبدي قائم بنفسه، فوق المادة وفوق الروح وفوق العالم الروحاني، خلق الخلق ولم يحل فيما خلق، بل ظل قائما بنفسه مسيطرا على خلقه، ليس ذاتا، وليس صفة، هو الإرادة المطلقة، لا يخرج شيء عن إرادته، هو علة العلل ولا علة له، وهو في كل مكان ولا مكان له.
كيف نشأ عنه العالم؟ وكيف صدر هذا العالم المركب المتغير من البسيط الذي لا يلحقه تغير؟ كان هذا العالم غير موجود ثم وجد، فهل يمكن أن يصدر عن الخالق ذلك من غير أن يحصل تغير في ذاته؟ كيف يصدر هذا العالم الفاني من الله غير الفاني؟ هل صدر هذا العالم من الصانع عن روية وتفكير أو من غير روية؟ ولم وجد الشر في العالم؟ ما النفس وأين كانت قبل حلولها بالبدن وأين تكون بعد فراقه؟
هذه المسائل وأشباهها كانت من أهم المسائل التي شغلت أفلوطين ومدرسته، وثار حولها الجدل وذهبوا فيها مذاهب يخرج بنا شرحها عما رسمنا، وإنما أشرنا إليها لنبين فيم كان هذا العالم العلمي يبحث، ولنستطيع بعد أن نعرف أثرهم.
وكان هذا المذهب الإسكندري في أول أمره يميل إلى البحث والتفكير العقلي المحض، ثم أخذ يناصر الوثنية اليونانية، ويقاوم النصرانية، ثم انحدر إلى أن اقتصر على الشغف بالاطلاع على المغيبات، وخوارق العادات، والاعتداد بالسحر، والتصرف بالأسماء والطلاسم، والكهانة والتنجيم والدعوات والعزائم، ونحو ذلك.
ولما انتصرت النصرانية وجاء «جوستنيان» أغلق مدارس الفلسفة في أثينا، واضطهد الفلاسفة، فمنهم من فر (ومن هؤلاء سبعة سافروا إلى فارس فاستقبلهم كسرى أنوشروان، واحتفى بهم وأنزلهم منزلا كريما، وجعل من شروط الصلح مع حوستنيان أن يعنى بهم، وكان هؤلاء السبعة من فلاسفة الأفلاطونية الحديثة)؛ ومنهم من تنصر، وبعض المتنصرين أخرجوا كتبا في الأفلاطونية الحديثة مصبوغة بالصبغة النصرانية، ككتاب ديونيسوس، ألفه أفلاطوني مجهول - في منتصف القرن السادس للمسيح - باسم ديونيسوس، ادعى أنه من تلاميذ بولس الحواري، وقد شرح أسرار الربوبية ودرجات عالم الملكوت والكنيسة السماوية على المذهب الأفلاطوني، فصار من ذلك الوقت عمدة للنصارى في ذلك
1 ، ثم دخل هذا المذهب في الإسلام عن طريق فريق من المعتزلة والحكماء والصوفية، ومنهم أخذت جل أفكارهم جماعة «إخوان الصفا» وغيرهم.
السريانيون: قام السريانيون بنشر الفلسفة اليونانية - وخاصة مذهب الأفلاطونية الحديثة - في العراق وما حوله، وأخذوا ينقلون الكتب اليونانية إلى لغتهم السريانية، وهي إحدى اللغات الآرامية - انتشرت فيما بين النهرين والبلاد المجاورة لها - وكان من أهم مراكزها الرها (Edessa)
ونصيبين، وفوق هذا كانت هي لغة الأدب والعلم لجميع كتاب النصرانية في أنطاكية وما حولها، وللنصارى الخاضعين لدولة الفرس، وأنشئت في هذه الأصقاع مدارس دينية متعددة كانت تعلم فيها اللغة السريانية واليونانية جميعا في الرها وفي نصيبين وفي جنديسابور.
Halaman tidak diketahui