16
وعلى ذلك نرى أن تصور إله الشمس المصري القديم كأنه ملك عادل يعد من بين العوامل التي ساهمت في تحويل «يهوه» هذا إلى حاكم عادل بين الناس.
وقد كان ظهور الملكية العبرانية عاملا قويا في ذلك التطور؛ لأن العبرانيين كونوا في أذهانهم بالتدريج صورة لما يجب أن يكون عليه الملك الأمثل، فكان لذلك التصور أكبر تأثير في تخيل «يهوه» في شكل ملك عادل.
وقد رأينا فيما تقدم أنه قبل ظهور الملكية العبرانية بألف سنة كان الحكماء
17
الاجتماعيون المصريون القدماء قد رفعوا أصواتهم مطالبين بالعدالة الاجتماعية، آملين بذلك الوصول إلى عصر يكون فيه المثل الأعلى للسعادة البشرية في ظل حكم عادل يهيمن عليه ملك رءوف، ولذلك نددوا بالغش والظلم اللذين يرزح تحت عبئهما كل من الفقير والوضيع على يد الغني والقوي، وكثيرا ما أعلنت شكوى هؤلاء الحكماء في حضرة الملك نفسه.
وقد كانت أمثال مقالات «إبور» و«نفرروهو» شائعة الانتشار - كما سبق ذكره - حوالي سنة 2000 قبل الميلاد، ولدينا ما يدل بوجه قاطع على أن هذه الكتابات قد وجدت مجالا مبكرا لانتشارها في آسيا الغربية؛ وبخاصة بين الفينيقيين الذين أثروا في العبرانيين تأثيرا عظيما لقربهم الشديد منهم كما تقول التوراة نفسها. وقد حدث منذ عشرة أعوام أن سقطت صخرة من واجهة الجبل المشرف على البحر الأبيض المتوسط في «ببلوص» (جبيل) القديمة الواقعة على الساحل الفينيقي شمالي بيروت، فكشفت عن حجرة للدفن منحوتة في الصخر لأحد ملوك ذلك العصر الذي كان يعيش فيه أولئك الحكماء
18
الاجتماعيون المصريون القدماء الذين كنا بصدد ذكرهم. وهذا الكشف مضافا إلى أعمال الحفر التي عملت في جبانة «جبيل» الملكية التي أعقبت ذلك، قد أماط لنا اللثام عن سلسلة من المقابر التي استعملت لدفن ملوك «جبيل» الفينيقيين، وهذه المقابر مصرية في طرازها وبنائها ومحتوياتها؛ لأنها تشتمل على توابيت حجرية ضخمة من الطراز المصري القديم وضعت فيها الجثث الملكية وجهزت بأوان وحلي غاية في البهاء، وجميعها ما بين مصنوع في مصر ويحمل أسماء فراعنة من الأسرة الثانية عشرة المصرية، أو مصنوع في فينيقية على الطريقة المصرية القديمة. وهذه المقابر تدل بدون شك على انتشار العادات الجنازية والدينية المصرية في فينيقية في ذلك العصر. على أن وجود مثل هذه العادات المستقاة من وادي النيل لا يكاد يدع لدينا أي شك في أن لفائف البردي التي كتبها الحكماء
19
Halaman tidak diketahui