والواقع أنه لم يكن موجودا - في عهد الدولة الحديثة - كتاب كهذا يعرف بذلك الاسم، بل كانت كل لفافة بردي تحتوي على مجموعة من المتون الجنازية تؤلف حسبما اتفق مما يقع تحت يد الكاتب، أو من المتون التي كانت سوقها رائجة وقتئذ؛ أي المتون التي كانت محببة إلى الناس أكثر من غيرها. وقد كانت توجد لفائف فخمة ذات بهاء يبلغ طول الواحدة منها من 60 إلى 80 قدما، وتشتمل على فصول أو رقى يتراوح عددها من 75 إلى 125 أو 130، في حين كان الكتبة من جهة أخرى ينسخون لفائف صغيرة متواضعة، لا يزيد طول الواحدة منها على بضعة أقدام، ولا تحتوي إلا على منتخب صغير من تلك الفصول التي تعد أكثر أهمية من غيرها. والواقع أنه لم توجد بين لفائف ذلك الوقت إلا لفافتان تحتوي كل واحدة منهما على نفس مجموعة التعاويذ التي تشتمل عليها الأخرى، وقد بقي الحال كذلك إلى عهد البطالسة (أي بعد القرن الرابع ق.م بقليل) حينما جمع منتخب شبه معتمد من تلك الفصول تقرر استعماله تدريجا. ومن ذلك يتضح - كما ذكرنا فيما سبق - أنه لم يكن هناك كتاب يعرف باسم كتاب الموتى - بصحيح العبارة - في عهد الدولة الحديثة، بل كانت توجد مجاميع متنوعة فقط من الفصول الجنازية تملأ الأوراق البردية الجنازية التي وجدت في ذلك العصر. وقد بلغ مجموع تلك الفصول أو التعاويذ التي كانت تؤلف منها تلك اللفائف ما يربو على مائتين، مع أن أكبر لفافة منها كانت لا تحتوي على تلك الفصول جميعا.
وقد كان استقلال كل فصل بذاته - أو بعبارة أخرى، تمييز كل فصل عن غيره من باقي الفصول - واضحا في ذلك العهد بفضل اتباع العادة التي جرت بوضع عنوان لكل فصل قبله، وقد كانت بداية تلك العادة في متون التوابيت، حيث وضعت عناوين لبعض فصولها.
وكانت توجد مجاميع من الفصول تتألف منها أكبر نواة متداولة لكتاب الموتى، وتسمى غالبا: «فصول للصعود في النهار»، وهي تسمية نجدها مستعملة في متون التوابيت أيضا. وبالرغم من كل ذلك لم يكن هناك عنوان شائع عن لفافة كاملة لكتاب الموتى باعتباره وحدة شاملة.
ومع أن بعض نبذ ضئيلة من متون الأهرام قد استمرت طويلا مستعملة في كتاب الموتى، فإنه يمكننا القول بأن تلك المتون قد اختفت على وجه عام تقريبا، وأما متون التوابيت فقد ظهرت ثانية بمقدار عظيم جدا، وساهمت مساهمة كبيرة في تكوين المجاميع المتنوعة التي يتألف منها الآن «كتاب الموتى».
وقد ابتدع في هذه المجاميع عنصر لا نرى له إلا أثرا يسيرا فقط في «متون التوابيت»؛ ذلك هو إضافة صور فاخرة في لفائف الموتى من الدولة الحديثة، تصور حياة المتوفى في عالم الآخرة، وقد كان القوم يعتقدون في تأثير مفعولها اعتقادا عظيما، وبخاصة ما شاهدناه فيما سبق من منظر المحاكمة في الآخرة، الذي صار - إذ ذاك - يصور بهيئة متقنة.
ويمكن القول عن تلك الصور الواردة في كتاب الموتى «بأنها ليست إلا مثالا آخر لإحكام الطرق السحرية بقصد تحسين أحوال الحياة الأخرى.» والواقع أن كتاب الموتى نفسه - على وجه عام - ليس إلا مثلا مركبا بعيد المرمى يوضح مدى اعتماد القوم المتزايد على السحر في الحياة الآخرة.
وكانت المكاسب التي تجبى بتلك الطريقة لا حد لها، ومن الواضح أن ذكاء أولئك الكهنة المرتزقة قد لعب دورا عظيما فيما حدث من التطور بعد ذلك؛ إذ إن أشراف الدولة المترفين لم يروا في تصوير الآخرة بمناظر الفلاحة مستقبلا جذابا؛ إذ كان من الممكن للمتوفى أن يحرث فيها، وأن يزرع ويحصد الثمار من حقله السعيد حيث كانت الحبوب تنمو إلى ارتفاع سبعة أذرع (حوالي 12 قدما).
8
فلم يعد يروق في نظر أولئك العظماء المنعمين، في عصر يزخر بالثراء، أن يكلفوا القيام بعمل ما، أو أن يجبروا على الذهاب حتى إلى حقول المنعمين ليكدوا وينصبوا.
ولذلك كانت توجد منذ الدولة الوسطى دمى مصنوعة من الخشب تمثل خدم الميت في الحياة الآخرة، توضع معه في القبر لتقوم بدلا منه بأداء ما يلزمه القيام به من العمل بعد الموت، كما كان يقوم له بذلك خدمه في الحياة الدنيا.
Halaman tidak diketahui