127

Fajar Nurani

فجر الضمير

Genre-genre

ولعلنا نذكر بمناسبة هذا التصور الأخير الهام عن «الفهم» أنه لم يكن للعقل اسم في اللغة المصرية القديمة غير كلمة «القلب» القديمة؛ ففي عصر الأهرام وجدنا أن «بتاح حتب» ذلك الوزير الحكيم المسن كان يذكر «القلب» على أنه مركز المسئولية والإرشاد؛ إذ قال فيما ذكرناه له سابقا: «إن المستمع (يعني إلى النصيحة الطيبة) هو المرء الذي يحبه الإله، أما الذي لا يصغي فهو الذي يبغضه الإله. والقلب هو الذي يجعل صاحبه مصغيا أو غير مصغ، وحظ الإنسان الحسن هو قلبه.» كما نجد في نصائح «بتاح حتب» أيضا أن قلب الرجل قد صار دليله، بل في الواقع قد صار ضميره.

على أن القلب الإنساني صار في عهد الدولة الحديثة يعتبر أكثر من مستمع مجيب إلى النصيحة الطيبة، بل صار أكثر من مرشد إلى حسن الحظ.

حقا إن آراء «بتاح حتب» عن القلب من حيث نعته له بالمرشد الحكيم قد استمرت؛ إذ في خلال القرن الخامس عشر نرى أحد حجاب بلاط الفاتح «تحتمس الثالث» يذكر خدماته التي أداها للملك، فيقول: «لقد كان قلبي هو الوازع لأن أقوم بها، بإرشاده لي في شئوني، وكان ... كأنه شاهد ممتاز، فلم أهمل كلامه، وخشيت أن أتخطى إرشاده، وبذلك كان الفلاح حليفي لدرجة عظيمة. وقد كنت بسبب ما أوحى إلي [أي قلبي] أن أعمله ناجحا، وكنت بإرشاده نابها. تأمل ... فقد قال القوم إنه وحي من الإله يوجد في كل إنسان، وإن من أرشده إلى الصراط السوي في إنجاز العمل، لسعيد. تأمل ... فإني كنت هكذا.»

على أننا نجد أن أقارب «بحيرى» - وهو أمير من أمراء «الكاب» - قد خاطبوه بعد موته داعين له بقولهم: «ليتك تعيش في الآخرة بقلب فرح وفي كنف الإله الذي فيك.»

كما نجد ميتا آخر يقرر: «أن قلب الإنسان هو إلهه، وقد كان قلبي مرتاحا لأعمالي.»

فكل ذلك يدل على أن المصري القديم قد صار حينئذ شديد الحساسية - بدرجة لم يصل إليها من قبل - لما كان يوحي به إليه ذلك الوازع الباطني المنبعث من قلبه، وهو الذي سمي - ببعد نظر مدهش - «إله المرء».

وذلك لأن القلب قد صار الآن ذا شعور أكثر اتزانا وأكثر سيطرة وسلطانا على الإنسان مما كان عليه في عهد ذلك الوزير الحكيم «بتاح حتب»، فصار يعلن استحسانه لما يكون عليه المرء من السلوك الحسن أو استياءه لما يكون عليه من السلوك السيئ.

ولما صار المصري القديم يشعر بسلطان ذلك الوازع القلبي شعورا كاملا أخذ - إذ ذاك - يلبس كلمة «القلب» معنى أوفى حتى صار أقرب بكثير مما في عصر الأهرام من مدلول كلمتنا «الضمير».

وقد صرنا الآن في مركز يجعلنا نفهم أهمية التحديد والدقة اللذين بهما صور لنا المصري، عند بزوغ فجر الدولة الحديثة، فكرته النامية عن الحساب في الآخرة.

وهذه الآراء - التي نجد فيها تفصيلا أوسع من قبل عن الحساب في يوم الميعاد - قد وصلتنا عن طريق «كتاب الموتى». وقد اجتمعت عندنا ثلاث روايات مختلفة عن الحساب في الآخرة عثر عليها في أتم وأحسن اللفائف البردية التي وصلت إلينا للآن، وكانت هذه الروايات في الأصل - بلا شك - مستقلا بعضها عن البعض الآخر، وعنوان الرواية الأولى منها هكذا: «فصل في دخول قاعة الصدق (الحق)»، وهي تحتوي على ما يقوله المتوفى عند الوصول إلى قاعة الصدق عندما يطهر فلان (يعني المتوفى) من كل الذنوب التي اقترفها، ثم يوجه نظره إلى وجه الإله ويقول:

Halaman tidak diketahui