والقرائن المجوزة عند الأكابر والأبرار، والأعيان والأخيار، المرضية المقررة المضبوطة المحررة، يمكن التوصل إلى التفصي منه بصدقه وكذبه، وصحيحه وعليله، فيؤخذ الصواب المحمود، ويترك ما عداه المردود.
ثم إنه قد دل الحديث الشريف والخبر المنيف أيضا دلالة صريحة قوية صحيحة على أنه كذب على رسول الله - (صلى الله عليه وآله)، وأبهج نهج الدين بنور كماله - بل قوله عليه صلوات الملك المتعال: " قد كثرت علي الكذابة " تصريح بوقوعه مطلقا غير مرة كما لا يخفى على أهل الكمال.
قال شيخ المسلمين بهاء الملة والدين في شرح الأربعين عند تفسير هذا الخبر الجيد المعتبر:
لا ريب في أنه قد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) للتوصل إلى الأغراض الفاسدة، والمقاصد الباطلة من التقرب إلى الملوك وترويج الآراء الزائفة وغير ذلك.
ودعوى صرف القلوب عن ذلك ظاهرة البطلان، وما تضمنه هذا الحديث من قوله (صلى الله عليه وآله): " قد كثرت علي الكذابة " دليل على وقوعه، لأن هذا القول إما أن يكون قد صدر عنه (صلى الله عليه وآله) أو لا، والمطلوب على التقديرين حاصل كما لا يخفى، ولوجود الأحاديث المتنافية التي لا يمكن الجمع بينها، وليس بعضها ناسخ لبعض قطعا. وما ذكره (عليه السلام) من وضع الحديث للتقريب إلى الملوك قد وقع كثيرا.
فقد حكي أن غياث بن إبراهيم دخل على المهدي العباسي وكان يحب المسابقة بالحمام فروى عن النبى (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح ". فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم، فلما خرج قال المهدي:
أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أو جناح " ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا. وأمر بذبح الحمام وقال: أنا حملته على ذلك.
وقد وضع الزنادقة - خذلهم الله - كثيرا من الأحاديث، وكذلك الغلاة والخوارج. ويحكى أن بعضهم كان يقول بعد ما رجع عن ضلالته: انظروا إلى هذه الأحاديث عمن تأخذونها فإنا كنا إذا رأينا رأيا وضعنا له حديثا.
وقد صنفت جماعة من العلماء كالصغاني وغيره كتبا في بيان الأحاديث
Halaman 53