فلما رأى ذلك جمعهم ثالثة، وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرى أنا لم نرض ربنا كما ينبغي فلذلك خربت، ويجب أن تبنى ثالثة، قال: فبنوا ثالثة، حتى إذا رأوا أن قد أتقنوها وفرغوا منها جمع النصارى وقال: هل ترون من العيب شيئا؟ قالوا: لا. فكللها بصليب الذهب والفضة، ثم دخلها قوم قد اغتسلوا وتطيبوا، فلما دخلوها أشركوا كما أشرك أصحابهم، فخرت عليهم، فجمعهم ملكهم رابعة واستشارهم، وكثر خوضهم في ذلك، فبينا هم على ذلك إذ أقبل إليهم شيخ كبير، عليه برنس أسود وعمامة سوداء، قد ملأ ظهره منطقة، متوكئ على عصاه، قد أفحى، فقال: يا معشر النصارى إلي، فإني أكبركم سنا، وأنا أتيتكم، وخرجت من متعبدي لأخبركم أن هذا مكان قد لعن، ولعن أصحابه، وأن القدس قد نزع وتحول إلى هذا الموضع، وأشار بيده إلى الموضع الذي [بنوا] فيه كنيسة القيامة، وأنا أريكم الموضع، ولستم تروني بعد هذا اليوم أبدا، اقبلوا مني ما أقول لكم. فغرهم وزادهم طغيانا، وأمرهم أن يقلعوا الصخرة، ويبنوا بحجارتها الموضع الذي أراهم، فبينا هو يكلمهم ويقول لهم ذلك إذ خفي فلم يعاينوه، وازدادوا كفرا، وقالوا فيه قولا عظيما، فارتفعت القبة بالياقوتة، ووضعوا أيديهم فيها فقطعوها، وخربوا المسجد، وحملوا العمد وما كان فيه من أبنية وغير ذلك، فبنوا به كنيستهم والكنيسة التي في واد جهنم، وقال لهم فيما يقول: إذا فرغتم من هذه فأخربوه، واتخذوه مزبلة لعذراتكم. ففعلوا ذلك، حتى كانت المرأة تطرح حيضها عليه من القسطنطينية، تبعث [به] فيطرح عليها، فمكث كذلك حتى بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فأسرى به إليها، وذكر فضلها.
أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن داود بن سليمان، قال : أبنا أبي، قال: ابنا محمد بن حماد الطهراني، قال: أبنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}. قال: هو بخت نصر وأصحابه، خربوا بيت المقدس، وأعانهم على ذلك النصارى. قال الله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين}. قال: وهم النصارى، لا يدخلون المسجد إلا مسارقة، إن قدر عليهم عوقبوا: {لهم في الدنيا خزي}. قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
Halaman 48