Facilitation of Menstruation Rules
تيسير أحكام الحيض
Genre-genre
هل يقع طلاق الحائض؟
وقد اختلف العلماء فيما إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض، هل يقع أو لا يقع؟ على قولين: القول الأول: قول جماهير أهل العلم: إن الطلاق يقع، ويأثم بذلك، ولا بد أن يتوب.
واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: حديث مسلم وفيه: أن ابن عمر قال: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها.
أو قال: (فحسبها علي تطليقة).
فوجه الشاهد من الحديث: أنه قال: وحسبت لها التطليقة.
وفي رواية قال: (وحسبها علي تطليقة).
والظاهر أن النبي ﷺ هو الذي حسبها تطليقة.
الدليل الثاني: قول النبي ﷺ لـ عمر: (مره فليراجعها).
والأصل في المراجعة أنها لا تكون إلا بعد طلاق، وهذا ظاهر جدًا في أن الطلاق قد وقع، ولذلك قال: (مره فليراجعها).
الدليل الثالث: القاعدة الحديثة، وهي: أن الراوي أعلم بما روى.
وابن عمر نفسه لما سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: احسبها تطليقة.
فبين أنه يقع الطلاق، والراوي أعلم بما روى.
وأما دليلهم من النظر فقالوا: هذا عقد يملكه الرجل، وقد أحل هذا العقد، ولا علاقة بالحيض في هذا الإحلال.
القول الثاني: قول بعض الحنابلة وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: إنه لا يقع الطلاق في الحيض.
واستدلوا على ذلك من الأثر والنظر.
أما من الأثر: الدليل الأول: جاء في سنن النسائي وغيره أن ابن عمر الراوي: فلم يرها شيئًا.
أي: لم يرها شيئًا من الطلاق، وهذا فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع.
الدليل الثاني: قالوا: نحن وأنتم متفقون على أن الطلاق في الحيض طلاق بدعي يأثم صاحبه، وهذا محل اتفاق، فإذا طلق في الحيض فقد طلق طلاقًا بدعيًا، وإذا طلق طلاقًا بدعيًا فهو باطل مردود؛ قلنا: لماذا؟ قالوا: لحديث عائشة ﵂ وأرضاها كما في الصحيحين قالت: قال رسول الله ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: باطل.
فنقول: من طلق طلاقًا ليس عليه أمرنا فهو باطل.
والصحيح والراجح في ذلك هو: قول الجمهور، بأن الطلاق في الحيض يقع، ويأثم صاحبه، ولابد أن يتوب توبة نصوحًا، وذلك لما جاء عن ابن عمر صريحًا غير محتمل للتأويل أنه قال: (فحسبها علي تطليقه).
وهذه لا يمكن أن تحتمل شيئًا إلا أن يقولوا: هذا من اجتهاد ابن عمر.
فنقول: اجتهاد ابن عمر أقره عمر، وعمر هو الذي سأل رسول الله ﷺ، فدل ذلك على أن عمر بن الخطاب وابن عمر فهما من النبي ﷺ على أن هذا الطلاق يقع، بل هو مرفوع للنبي ﷺ.
إذًا: فالدلالة صريحة صحيحة على أن يقع الطلاق لا يقع، لا سيما وقد أفتى ابن عمر من سأله بذلك، وقال: يقع الطلاق.
وأما أدلتهم من النظر فقالوا: بأنه لا علاقة للحيض بمسألة النكاح ومسألة الطلاق.
وأما الرد على المخالفين: فنقول: أولًا: الحديث الذي تعلقتم به الرد عليه من وجوه: الوجه الأول: أن هذا الحديث فيه شذوذ؛ لأنه خالف ما هو أقوى منه؛ لأنه جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم أنه قال: (فحسبها علي تطليقة).
ودليلكم هذا في السنن أنه قال: (فلم يرها شيئًا) فهذا شذوذ؛ لأن الثقات الأثبات رووا: (حسبها علي تطليقة).
الوجه الثاني: إن قلنا: ليس بشذوذ، فنقول: هذا محتمل.
أي: هذه الرواية محتملة، فإن قوله: (لم يرها شيئًا)، تحتمل لم يرها من السنة شيئًا، أو لم يرها من العدة شيئًا، أو لم يرها من الطلاق شيئًا، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به.
الوجه الثالث: دليلنا مقطوع به: (حسبها علي تطليقة).
ودليلكم مظنون: (لم يرها شيئًا).
والمقطوع به يقدم على المظنون.
الوجه الرابع: أن استدلالهم بحديث (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، على أن من طلق طلاقًا ليس عليه أمرنا فهو باطل مردود لا يقع.
فنقول: نحن نوافقكم على القاعدة: أن (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، ولا نوافقكم على التطبيق؛ لأنه قد طلق طلاقًا عليه أمرنا، فقال لها: أنت طالق بالصريح، والله جلا وعلا يقول: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة:٢٢٩].
والنبي ﷺ يقول: (لا طلاق إلا لمن أخذ بالساق)، يعني: الطلاق يقع صحيحًا لمن أخذ بالساق وجامع، وهو الزوج الحقيقي.
وهذا الحديث يستدل به العلماء: على أن الرجل إذا قال: علي الطلاق مثلًا، أو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإن الطلاق لا يقع، خلافًا للمالكية؛ لأن الطلاق لا يقع إلا من عاقد عقدًا صحيحًا، وهذا الرجل الذي طلق لم يعقد عقدًا صحيحًا.
إذًا: الطلاق وقع عليه أمرنا في زمن ليس عليه أمرنا، والجهة منفكة، فيكون الطلاق وقع عليه أمرنا فصح، وفي زمن ليس عليه أمرنا فأثم بذلك، ونحن نتفق معكم على الإثم، وقد بينا من النظر أنه لا علاقة للحيض بالنكاح، والزمن ليس شرطًا في صحة الطلاق، ولا ركنًا من أركانه.
إذًا: الطلاق يقع في الحيض، ويأثم صاحبه، ولا بد أن يتوب توبة نصوحًا.
7 / 8