Facilitation of Menstruation Rules
تيسير أحكام الحيض
Genre-genre
في حكم الصفرة والكدرة من المرأة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فقد وقفنا عند الكلام عن الصفرة والكدرة، وهل هي حيض أم لا؟ وقلنا: إن الصفرة سائل أصفر، كالماء الذي يكون من الجرح، وتخرج من الرحم.
وأما الكدرة: فهو ماء ممزوج بحمرة، فيكون لونه متكدرًا، وبئر الماء إذا حرك فيه التراب تكدر ماؤه.
والصفرة والكدرة ليستا دمين، بل هما ماءين، فيختلفان عن الحيض الذي هو دم.
فالمرأة قبل أن تحيض قد تنزل منها إفرازات كصفرة أو كدرة، وذلك كثير في النساء، فما حكم هذه الإفرازات؟ وهل هي حيض أم ليست بحيض، وخاصة إذا نزلت في اليوم المعتاد نزول الحيض فيه؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: فقوم قالوا: هما حيض مطلقًا.
وقوم قالوا: ليستا بحيض مطلقًا.
وقوم قالوا: إن في المسألة تفصيلًا، إن كان في زمن الحيض أو ليس في زمن الحيض.
القول الأول: الذين قالوا: ليس بحيض مطلقًا، وهم: ابن حزم الظاهري، وهو قول للشافعية؛ فالحيض عندهم هو الدم فقط.
واستدلوا بحديث أم عطية الذي أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا).
وهذا الحديث لم ترفعه أم عطية إلى النبي ﷺ، بمعنى لم تقل: قال النبي ﷺ، وليس فيه قالت أم عطية تبلغ به إلى النبي ﷺ، ولكن هذا الحديث يصح أن يكون مرفوعًا إلى النبي ﷺ؛ لأن الحديث إذا لم يكن محلًا للاجتهاد، أو أضيف إلى زمن النبي ﷺ، فالقاعدة عند المحدثين أنه يكون مرفوعًا، وأم عطية هنا أضافت الحديث إلى زمن النبي ﷺ؛ لأنها قالت: (كنا لا نعد)، لأنهن كن يسألن رسول الله ﷺ، ويسألن بعده عائشة، فالذي أعلمها ألا تعد هذا من الحيض هو رسول الله ﷺ، لذا فـ ابن حزم قال: هذه سنة، وإن كانت في الظاهر موقوفة لكن لها حكم الرفع.
كما استدلوا بقول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة:٢٢٢] فسمى الدم حيضًا، وقد قال النبي ﷺ: (دم الحيض أسود يعرف) ولم يقل: فيه صفرة أو كدرة، بل سماه دمًا، فالحيض لا يكون إلا دمًا.
القول الثاني: قول المالكية والشافعية، وهو أن الصفرة والكدرة حيض مطلقًا، فيكون هناك طرفان: طرف على أنه ليس حيضًا، وطرف على أنه حيض مطلقًا.
واستدل القائلون بأنه حيض مطلقًا: بأن الصفرة والكدرة إذا خرجت من الرحم ولها مواصفات الحيض أخذت حكمه؛ لأن القاعدة عند العلماء: أن الشبيه يأخذ حكم الشبيه، وهي قاعدة فقهية تسمى قاعدة: الحكم بالمجاورة، أي: أن المجاور يأخذ حكم مجاوره، كالماء المجاور وغيره.
فالصفرة والكدرة مجاورتان للحيض فيأخذان حكمه، وهذا دليل نظري قوي.
القول الثالث: التفصيل، وهذا القول لبعض الشافعية، وهو الراجح والصحيح الذي رجحه شيخ الإسلام على ما أذكر إن لم أكن واهمًا، حيث قال: الصفرة والكدرة لها حالات: الحالة الأولى: ذهب جمهور العلماء إلى أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض؛ لأن كل مجاور يأخذ حكم مجاوره، خاصة وأن هذه الإفرازات نزلت بسبب نزول الدم فتأخذ حكمه، ولازم الشيء كالشيء، فنزول الصفرة والكدرة بعد نزول الدم ملازم للدم فيأخذ حكمه، فإذا نزل الدم وانقطع، وأرخى الرحم الإفرازات في زمن الحيض، فالصفرة والكدرة تكون حيضًا.
والدليل على ذلك: أن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالكرسف فيها الصفرة والكدرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، وهذا له حكم الرفع إلى النبي ﷺ، وفيه أن المرأة ما زالت حائضًا وإن نزل منها صفرة أو كدرة حتى ترى القصة البيضاء.
الحالة الثانية: الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض، فبعد أن ترى المرأة القصة البيضاء، أو الجفاف الذي يدل على أنها قد طهرت، ونزل عليها إفرازات من صفرة وكدرة فلا تكون حيضًا، وإنما تغسل المحل وتتوضأ وتصلي.
الحالة الثالثة: هي أن تنزل الصفرة والكدرة قبل أن ينزل الدم في يوم العادة، فلا تكون حيضًا، إنما تغسل المحل وتتوضأ وتصلي وتصوم؛ لأنها من الطهر.
والدليل على ذلك هو: أن أم عطية قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) وهذا على الإطلاق، وهو دليل على قوله: بأن الصفرة والكدرة ليستا من الحيض مطلقًا، ولكن هذه الرواية مقيدة برواية أخرى عن أم عطية قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا) والشاهد هو قولها: بعد الطهر.
وبمفهوم المخالفة أن قبل الطهر نعده حيضًا، وهذا فيه رد على دليل ابن حزم، فالمطلق محمول على المقيد، والرواية الأولى مطلقة، والثانية مقيدة بأن عدم اعتدادهن بالصفرة والكدرة كان بعد الطهر، أما قبله فهو حيض بمفهوم المخالفة.
4 / 2