28

Explanation of the Creed of the Salaf by Al-Sabuni - Nasser Al-Aql

شرح عقيدة السلف للصابوني - ناصر العقل

Genre-genre

موجز كلام السلف في أدلة العلو المحكمة والصريحة الخلاصة: أنه هنا أراد أن يقرر العلو مقترنًا بالاستواء والاستواء مقترنًا بالعلو وهما متشابهان، وقد ذكر الأئمة أدلة العلو الصريحة ونوجزها الآن؛ لأنه هنا انتهى من مسألة الاستدلال على العلو والعرش، وسيدخل في موضوع جديد نجعله للدرس القادم، لكن أحب أن أوجز كلام السلف في أدلة العلو التي هي محكمة وقوية وذكرها أكثر من واحد من الأئمة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع، وابن القيم في رده على الجهمية في الصواعق وفي غيره، وكذلك لخص هذا الرد ابن أبي العز في (شرح العقيدة الطحاوية)، فتتلخص أدلة إثبات العلو والاستواء -خاصة العلو الذاتي لله ﷿ بما يلي: أولًا: التصريح بالفوقية لله ﷿، فقد ورد التصريح بأن الله فوق عباده، كقوله ﷿: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام:١٨]، وقوله ﷾: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل:٥٠]، فهذا تصريح بالفوقية لله ﷿، وأصحاب التأويل يقولون: إن الفوقية تشعر بالجهة، فيقال لهم: ما الجهة التي تهربون منها؟ سيقولون: الفوق والعلو، فهربوا من إثبات الحق ووقعوا فيما وقعت فيه الفلاسفة الملاحدة الذين ينكرون أن يكون لله وجود ذاتي. وكذلك من أقوى أدلة العلو: ثبوت النزول، سواء نزول الباري ﷿ أو نزول الأشياء منه، فقد أنزل الله القرآن وتنزل الملائكة من عنده، والنزول ثابت بنصوص قطعية، خاصة أحاديث النزول لله ﷿ على ما يليق بجلاله، وخاصة النزول الذي ثبت له في الثلث الأخير من كل ليلة، كما ورد عن النبي ﷺ: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من كل ليلة) ونزوله ﷿ عشية يوم عرفة أو يوم عرفة يباهي بالحجاج ملائكته، فهذا النزول ثبت في مقتضى النص الصحيح الصريح الذي لا يمكن دفعه، ولكن على ما يليق بجلال الله ﷿، ونحن نعلم قطعًا أن النزول لا يلزم منه إخلاء العرش، ولا يلزم منه ما يلزم عند المخلوقات من نوع الحركة ونوع الانتقال، وإلا فالله ﷿ لابد أن يثبت له ما أثبته لنفسه. فالنزول دليل على إثبات العلو والفوقية، وهو يتضمن معنى الاستواء. ومن ذلك أيضًا: صعود الأشياء إليه، قال ﷿: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:١٠]، وكذلك رفع الأشياء إليه ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر:١٠]، وكقوله ﷿ في حق عيسى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء:١٥٨] فالرفع لا يكون إلا إلى أعلى، ولا يكون إلا لموجود له وجود ذاتي، وإلا فما معنى الرفع لو كان الوجود لله ﷿ -تعالى عما يزعمون- مجرد وجود ذهني مطلق، كما تقول الجهمية وتابعهم الأشاعرة ومن سلك سبيلهم؛ فإنهم قالوا: إن وجود الله ﷿ مجرد وجود عقلي أو مجرد وجود اعتباري أو علو اعتباري فقط، كما قالوا: إن العلو علو القدر، ولاشك أن لله ﷿ علو القدر على وجه الكمال، وكذلك علو الذات، ولو كان مجرد علو القدر لما كان هناك معنى لكل هذه النصوص التي تصرح بالفوقية والنزول والمجيء والصعود والرفع، لا يكون لها معنى وإنما تكون مجرد ألفاظ لا معنى لها. وكذلك ثبت أن النبي ﷺ كان يرفع يديه في الدعاء إلى الله ﷿، وتوجه القلوب الفطري إلى الله ﷿ توجه يجده حتى الكافر، بل حتى الحيوان نجده يشخص ببصره إلى العلو وإلى الفوقية، وهذا أمر فطري. أيضًا: سؤال النبي ﷺ الجارية وغير الجارية بكلمة: أين الله؟ هذا دليل قاطع على أن الله ﷿ له وجود لا يليق إلا أن يكون بالفوق والعلو، وأن وجود الله ﷿ مباين ومفاصل لوجود مخلوقاته، وأنه مستوٍ على عرشه، إضافة إلى أدلة الاستواء وغير ذلك، كل هذه الأمور أدلة صريحة قطعية تثبت لله العلو الذاتي بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله مع علو القدر والقهر وعلو الاعتبار وعلو المعنى، وهذا لا شك فيه. فالسلف حينما يثبتون شيئًا يثبتون لوازمه بالضرورة، فهذه أدلة قاطعة على العلو الذاتي لله ﷿ لا مفك منها، لكن أهل التأويل لا يستطيعون أن يأخذوا بها؛ لأنهم إذا أخذوا بها انهدمت قواعدهم كلها ورجعوا إلى قول أهل السنة، ولو أخذوا بأدلة العلو لزم أن يقولوا بالاستواء، وإذا قالوا بالاستواء لزمهم أن يقولوا بالمجيء والنزول ثم بقية صفات الله ﷿، وكذلك العكس. إذًا: أهل البدع والتأويل لو أثبتوا أي صفة لزمهم إثبات الباقي، فإن أثبتوا الاستواء لزمهم إثبات العلو والفوقية، وإن أثبتوا العلو والفوقية لزمهم الاستواء، وإذا أثبتوا الجميع لزمهم إثبات المجيء والنزول على ما يليق بجلال الله ﷿ وبقية الصفات، لكن لتسلم قواعدهم الباطلة عمموا الحكم، وهذا مصداق قول النبي ﷺ عن أهل الأهواء: (تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه) نفوا شيئًا من الصفات فاضطرهم هذا النفي إلى نفي غيرها، ثم إلى نفي البا

4 / 6