Explanation of the Creed of the Predecessors and the People of Hadeeth - Al-Rajhi
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث - الراجحي
Genre-genre
قول الإمام الشافعي في إثبات استواء الله على عرشه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ﵁ احتج في كتابه المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها، بخبر معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفارة، وسأل رسول الله ﷺ عن إعتاقه إياها، فامتحنها رسول الله ﷺ، فقال ﷺ لها: (من أنا؟ فأشارت إليه وإلى السماء، تعني: أنك رسول الله الذي في السماء، فقال ﷺ: اعتقها فإنها مؤمنة)، فحكم رسول الله ﷺ بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية، وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم، إذ كان ﵀ لا يروي خبرًا صحيحًا ثم لا يقول به].
قوله: (وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي) هذا يدل على أن الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني شافعي، فهو من الشافعية في الفروع، وسلفي المعتقد، من أهل السنة والجماعة، لكن في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، قوله: (احتج في كتابه المبسوط) هذا كتاب للإمام الشافعي اسمه: المبسوط، احتج فيه في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم، فـ الشافعي ﵀ اشترط في عتق الرقبة أن تكون مؤمنة؛ لأن الله تعالى ذكر عتق الرقبة في القتل وفي الظهار وفي اليمين، فالله تعالى اشترط الإيمان في كفارة القتل، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء:٩٢]، وقال في كفارة الظهار: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة:٣]، ما ذكر الإيمان.
فاختلف العلماء في كفارة الظهار، هل يجوز إعتاق الرقبة غير المؤمنة لأن الله ما نص على الإيمان، أو أنه لا بد من الإيمان؟ فـ الشافعي ﵀ قال: لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة، واحتج بحديث معاوية بن الحكم السلمي، وهو في صحيح مسلم، وذلك أن معاوية بن الحكم السلمي رضي اللهعنه له جارية سوداء، وكانت ترعى الغنم خلف أحد، فجاء الذئب وأخذ شاة منها، فغضب معاوية وصكها، ثم ذهب إلى النبي ﷺ وأخبره أنه اعتدى عليها لأنها مسكينة ليس لها اختيار في هذا، فالنبي ﷺ شدد عليه، فقال يا رسول الله: أُعتقها؟ فقال: ائت بها إلي، فسألها فقال: (أين الله؟ فقالت: في السماء)، والجارية أعجمية، قال: (من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي ﷺ: اعتقها فإنها مؤمنة)، فشهد لها بالإيمان لأنها أثبتت أن الله في السماء في جهة العلو، وأثبتت الرسالة للنبي ﷺ.
وهذا الحديث ثابت في صحيح مسلم، لكن الحديث بهذه الرواية التي جاء بها المؤلف سندها ضعيف؛ لأنه قال: (امتحنها رسول الله ﷺ فقال: من أنا؟ فأشارت إلى السماء، وما تكلمت) وهي تعني: أنك رسول الله، وهذا ضعيف، والذي في صحيح مسلم أنها تكلمت، حيث قال: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله).
والصواب أنها تكلمت كما في صحيح مسلم.
فالنبي ﷺ شهد لها بالإيمان، وهذا فيه الرد على أهل البدع الذين أنكروا أن يكون الله في العلو، وأهل البدع يقولون: ما يسأل عن الله (بأين) وإنما يسأل بها عن المكان، فقيل لهم: إن الرسول سأل (أين) قال أهل البدع: الرسول أخطأ والعياذ بالله، لم أخطأ؟ قالوا: الرسول يخاطب الجارية الأعجمية بقدر عقلها وفهمها، هي لا تفهم، فسألها سؤالًا فاسدًا، لأجل عقلها، وأقرها على جواب فاسد، وهكذا وصل الحال بأهل البدع إلى أنهم اتهموا الرسول فقالوا: الرسول سأل سؤالًا فاسدًا، أن الله له مكان، وإذا كان له مكان يكون محدودًا ويكون جسمًا ويكون متحيزًا، وهذا لا يليق بالله ﷿.
قالوا: وكان مقصد الرسول أن يقول: من الله؟ وهل الرسول عاجز أن يقول: من الله؟ (أين) ثلاثة حروف، و(من) حرفان، أيهما أسهل؟ الرسول أفصح الناس وأبلغهم، أعاجز أن يقول: من الله؟ الإمام الشافعي ﵀ يقول: حكم رسول الله ﷺ بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية.
قوله: (وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه).
قال الشافعي: لا يجوز إعتاق الرقبة إلا إذا كانت مؤمنة، وقال بعض العلماء: يجوز إعتاق الرقبة الكافرة، والشافعي قال: أنا عندي دليل وهو حديث الجارية.
لأن الرسول سألها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة).
فلم يرخص له الرسول ﷺ بإعتاقها حتى ثبت له إيمانها.
قوله: (كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم) فهذا هو معتقد أهل السنة قديمًا وحديثًا سلفًا وخلفًا، يعتقدون أن الله فوق خلقه وفوق سبع سماواته على عرشه.
قوله: (إذ كان -أي: الشافعي ﵀ لا يروي خبرًا صحيحًا ثم لا يقول به)، فعمل بهذا الحديث لما صح الحديث عنده، فقال: لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد أخبرنا الحاكم أبو عبد الله ﵀ قال: أنبأنا الإمام أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه قال: حدثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي ﵀ يقول: إذا رأيتموني أقول قولًا وقد صح عن النبي ﷺ خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب.
] هذا ثابت عن الإمام الشافعي، يقول: إذا رأيتموني أقول قولًا والحديث يخالف قولي فاعلموا أن عقلي قد ذهب، وهذا قاله الأئمة كلهم، وروي عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وقال بعض العلماء: إذا قلت قولًا يخالف قول الرسول ﷺ فخذوا بقول الرسول، واضربوا بقولي عرض الحائط.
ويقول الشافعي: إذا قلت قولًا وصح الحديث بخلافه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب.
كيف يخالف قول الرسول ﵊؟ لا يمكن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الحاكم ﵀: سمعت أبا الوليد -غير مرة- يقول: حدثت عن الزعفراني أن الشافعي ﵀ روى يومًا حديثًا فقال السائل: يا أبا عبد الله! تقول به؟! قال: تراني في بيعة أو كنيسة؟! ترى علي زي الكفار؟! هو ذا تراني في مسجد المسلمين، عليّ زي المسلمين، مستقبلًا قبلتهم، أروي حديثًا عن النبي ﷺ ثم لا أقو ل به؟!].
وهذا أيضًا أثر عن الإمام الشافعي ﵀ وإن كان فيه ضعف وفي سنده مجهول لكن رواه أبو نعيم في الحلية موصولًا، وذكره السيوطي في مفتاح الجنة محتجًا به، وذلك أن الشافعي ﵀ روى يومًا حديثًا عن الرسول ﷺ فقال سائل: يا أبا عبد الله! هل تقول بهذا الحديث وتعمل به؟ فأنكر عليه الشافعي واشتد: كيف هو حديث ولا أقول به؟ هل تراني في بيعة؟ أي: في معبد النصارى، هل تراني في كنيسة؟ ترى علي زي الكفار؟! كيف يكون حديثًا ولا أقول به؟ أنا في مسجد المسلمين وعلي زي المسلمين أستقبل القبلة، أروي الحديث عن النبي ﷺ ثم لا أقول به؟! فهذا فيه تعظيم الإمام الشافعي ﵀ للسنة، حيث أنكر على السائل.
5 / 10