Explanation of the Creed of the Predecessors and the People of Hadeeth - Al-Rajhi
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث - الراجحي
Genre-genre
حكم ترك الصلاة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [اختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمدًا، فكفره بذلك أحمد بن حنبل ﵀ وجماعة من علماء السلف، وأخرجوه به من الإسلام؛ لقوله ﷺ في الخبر الصحيح: (بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر).
وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقدًا لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام.
وتأولوا الخبر السابق أن معناه: من ترك الصلاة جاحدًا لها، كما أخبر سبحانه عن يوسف ﵊ أنه قال: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [يوسف:٣٧] ولم يكن قد تلبس بكفر ففارقه، ولكن تركه جاحدًا له].
هذه المسألة مسألة عظيمة، وهي مسألة حكم تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا، وهي مسألة عظيمة وجديرة بالعناية والبحث؛ ولهذا اعتنى بها العلماء.
فأما من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين حتى ولو صلى، وليس هذا محل النزاع، ولو جحد الزكاة فهو كافر ولو زكى، ولو جحد الصوم وقال: الصوم ليس واجبًا، فمن شاء صام ومن شام أفطر، فهذا كافر بإجماع المسلمين، وكذلك لو جحد تحريم الزنا فهو كافر ولو لم يزن، أو جحد تحريم الربا فهو كافر ولو لم يراب، أو جحد شرب الخمر فهو كافر ولو لم يشرب الخمر، وهذا ليس محل النزاع.
فمن جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة وجوبه، أو أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة تحريمه، فهو كافر بالإجماع، وليس في ذلك خلاف بين المسلمين، فمن جحد وجوب الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج أو غير ذلك مما هو من الدين بالضرورة وجوبه فهذا يكفر بالإجماع، وكذلك لو جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة تحريمه، كأن جحد تحريم الزنا، أو الربا، أو الخمر، أو عقوق الوالدين، وأما لو جحد شيئًا مختلفًا فيه فلا يكفر، كأن يجحد الوضوء من أكل لحوم الإبل فلا يكفر؛ لأن المسألة خلافية، فبعض أهل العلم يرى الوجوب، وبعضهم لا يرى الوجوب، ولو جحد تحريم الدخان فإنه لا يكفر؛ لأن المسألة فيها شبهة، وإن كان الصواب أن الدخان حرام، لكن قد يكون عند بعض الناس شبهة، فقد يجد من يفتيه من غير هذه البلاد بأن الدخان ليس بحرام، فهذا لا يكفر لأجل الشبهة التي عنده، وأما من جحد تحريم الخمر فإنه يكفر؛ لأنه مجمع على تحريمه.
إن محل النزاع الذي ذكره المؤلف هو في رجل ترك الصلاة وهو يؤمن بوجوبها وأنها فريضة ولكنه تركها كسلًا وتهاونًا، فما حكمه؟ هل يكفر أو لا يكفر؟
الجواب
في هذه المسألة قولان لأهل العلم: القول الأول: أنه يكفر كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، وهذا هو الذي أجمع عليه الصحابة، وقد نقل الإجماع على هذا التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي، فقد قال ﵀: كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا تركه كفر غير الصلاة.
إذًا فهذا إجماع نقله عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن الصحابة على أن تارك الصلاة كافر، ونقله أيضًا إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وهو قرين الإمام أحمد ﵀، ونقل الإجماع أيضًا أبو محمد بن حزم ﵀.
إذًا فالصحابة مجمعون على أن من ترك الصلاة تكاسلًا وتهاونًا فهو كافر كفرًا مخرجًا من الملة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي، ومذهب جماعة كبيرة من السلف كـ إسحاق بن راهويه وعامر الشعبي وأبي عمرو الأوزاعي وجماعة من التابعين والأئمة.
وهذا المذهب تدل عليه النصوص.
من تلك النصوص الصريحة: ما ثبت في صحيح مسلم ﵀ عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة).
وجه الدلالة فيه من وجهين: الوجه الأول: أنه أتى بأل في الكفر، وهذه تفيد الاستغراق، ولو كان كفرًا أصغر لأتى بالكفر منكرًا، مثل حديث: (اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعن في النسب)، فأل إذا دخلت على الكفر دلت على الاستغراق وأن المراد هو الكفر الأكبر.
ثانيًا: أن النبي ﷺ جعل الصلاة حدًا فاصلًا بين الكفر وبين الإيمان، فالبينية تفصل بين الشيء وغيره، أي: بين كذا وبين كذا، وبين الرجل وبين الكفر.
ثالثًا: عن بريدة بن الحصيب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أهل السنن وأحمد بسند جيد، فجعل الصلاة حدًا فاصلًا بين المسلم والكافر.
رابعًا: في صحيح البخاري عن بريدة بن الحصيب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر، وأما المؤمن فلا يحبط عمله بالمعصية، فلما عبر النبي ﷺ بحبوط العمل دل على أنه كافر، والدليل على أن الذي يحبط عمله إنما هو الكافر: قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة:٥]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:٢١٧].
خامسًا: أن النبي ﷺ قال: (من ترك صلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله).
سادسًا: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن النبي ﷺ ذكر الصلاة يومًا فقال: من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، وهؤلاء هم رءوس الكفر، فكونه يحشر مع هؤلاء الكفرة دليل على أنه كافر مثلهم.
قال بعض العلماء: إنما يحشر مع هؤلاء الأربعة لأنه إن اشتغل عن الصلاة برئاسته وملكه حشر مع فرعون ملك مصر الذي ادعى الربوبية، وإن اشتغل عن الصلاة بوزارته حشر مع هامان وزير فرعون، وإن اشتغل عن الصلاة بأمواله فإنه يحشر مع قارون صاحب الأموال من بني إسرائيل، وإن اشتغل عن الصلاة بتجارته وشهواته ووظائفه حشر مع أبي بن خلف، فهذا يدل على كفر تارك الصلاة.
سابعًا: حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم -المراد بالأئمة هنا: ولاة الأمور- وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم.
قلنا: يا رسول الله! أفلا نبادرهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، يعني: لا تقاتلونهم ما داموا يقيمون الصلاة.
وهذه الجملة لها مفهوم ومنطوق، فمنطوقها أنهم إذا أقاموا الصلاة فهم مسلمون لا يقاتلون، ومفهومها: أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار يقاتلون.
ثامنًا: ويدل على هذا أيضًا الحديث الذي في صحيح مسلم في المنع من الخروج على الأمراء، وهو أن النبي ﷺ منع من الخروج على ولاة الأمور فقال: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان) وقال في الحديث السابق: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، فإذا جمعت بين حديث: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) وحديث: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان) دل على أن ترك الصلاة كفر بواح، فهذه الأدلة واضحة صريحة، وهناك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك.
وأما المتأخرون فقد ذهبوا إلى أن ترك الصلاة كفر أصغر لا يخرج من الملة، وهذا مشهور عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي.
واستدلوا على ذلك بأنه مؤمن مصدق، وما دام أنه مصدق فلا نجعله كالكافر.
واستدلوا أيضًا بنصوص فضل التوحيد، وأن الموحد لا يخلد في النار إذا قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، فقد جاء أن الصحابة قالوا: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟! قال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه)، وفي لفظ: (مخلصًا)، وفي لفظ: (غير شاك).
وجاء في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها.
والجواب عن هذه الأحاديث: أن هذه الأحاديث التي فيها فضل التوحيد مقيدة بعدم ترك الصلاة؛ لأن أداء الصلاة شرط في صحة التوحيد، فمن ترك الصلاة فهو ليس بموحد.
وقوله ﷺ: (من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) لا يمكن أن يوجد إنسان يترك الصلاة وهو يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.
إذًا: فالصلاة شرط في صحة التوحيد والإيمان، وهو ممن لم يصل فليس بموحد ولا مؤمن، وتنتقض عليه كلمة لا إله إلا الله، ولو قال: لا إله إلا الله ولم يصل بطلت صلاته، وذلك مثل أن تقول: لا إله إلا الله ثم يسب الله، أو يسب الدين، أو يسب الإسلام، فإنه ينتقض توحيده، فكذلك من قال: لا إله إلا الله ولم يصل فإن توحيده ينتقض؛ لأنه ترك شرطًا فيها، كالذي يصلي ولم يتوضأ فإن صلاته لا تصح؛ لأن الطهارة شرط في الصلاة، وكذلك الصلاة شرط في صحة التوحيد، فمن قال: لا إله إلا الله ولم يصل لم يصح توحيده ولا إيمانه، وبهذا يتبين لنا أن القول بكفر
10 / 3