249

شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص

شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص

Genre-genre

أصول مذهب السلف في حكم أهل الكبائر في الآخرة وقول السلف ﵏ في حكم أهل الكبائر مبني على ثلاثة أصول: الأصل الأول: أنهم تحت المشيئة. الأصل الثاني: أنه لا يخلد أحد منهم في النار، بل مآلهم إلى الجنة، إما ابتداءً قبل عذاب، وإما مآلًا بعد العذاب، وهذان الأصلان في الجملة لا يخالفان قول الواقفة من المرجئة، وإنما يتميز مذهب السلف، بالأصل الثالث. ومحصل الأصل الثالث: الإيمان والجزم بأن طائفة من أهل الكبائر غير معينين يدخلون الجنة ولا يعذبون في النار، وأن طائفة منهم يعذبون في النار ثم يخرجون منها، إما برحمته المحضة، أو برحمته مع سبب من الشفاعة أو نحوها. وهذا الأصل يميز قول السلف عن قول المرجئة الواقفة؛ لأن السلف يجزمون بأن قدرًا من أهل الكبائر لا يدخلون النار، ويجزمون بأن قدرًا آخر من أهل الكبائر يدخلون النار. وهذا القدر الذي لا يدخل النار، والقدر الذي يعذب في النار ثم يخرج منها، ليس مبنيًا على محض المشيئة فقط، بل هو مبني على مشيئته مع حكمته ﷾ وعدله، ولهذا ذكر الله ﷾ في كتابه الموازين، وهي المذكورة في مثل قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:٤٧]، فلا شك أن الذين يعذبون في النار هم أكثر إتيانًا للكبائر وأكثر فسقًا وأكثر فجورًا ممن لا يعذبون في النار؛ لأن الله ﷾: ﴿لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء:٤٠]، والموازنة مجمع عليها بين السلف، وقد ذكرها الله في كتابه، وذكرها الرسول ﷺ إما مجملة وإما مفصلة. وخذ هذه الموازنة أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأن حكمه عدل، فلا يعذب الأكثر حسنة ويغفر للأكثر سيئة، هذا لا يكون في عدل الله ﷾ وقضائه؛ فإنه ﷾ حكم عدل. ولهذا وصفت الموازنة المطلقة في القرآن بكونها عدلًا ولم يميز لها أحدًا، ولما ذكر الله ﷾ الموازنة بين الإيمان والكفر قيدها بنوع من المقدار والحد، كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون:١٠٢ - ١٠٥]. فصريح في سياق سورة المؤمنون وسورة الأعراف وسورة القارعة أن الموازنة المذكورة هي في حق أهل الإيمان وأهل الكفر. وأما إذا ذكر الله الموازنة المطلقة المتعلقة بسائر خلقه، فإنه يذكرها ذكرًا مطلقًا ويقيدها بعموم عدله وقسطه ﷾، ففي قوله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ [الأنبياء:٤٧] ما ذكر الله فيها إلا أنها قسط وأنه سبحانه ﴿لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ [النساء:٤٠] إلى غير ذلك من سياقات القرآن. ولهذا كان إعراب قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ [الأنبياء:٤٧] القسط: صفة، والأصل أن الصفة تتبع الموصوف في الإفراد والجمع، وهنا لم تتبعه، فجاءت الصفة مفردة والموصوف جمع لأنها مصدر، ولهذا قال ابن مالك في الألفية: ونعتوا بمصدر كثيرًا ... فلزموا الإفراد والتذكيرا

23 / 4