Explanation of Sahih Muslim - Hasan Abu Al-Ashbal
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Genre-genre
حكم أخذ الأجرة على الإمامة والخطابة
السؤال
أنا شاب في حاجة شديدة إلى المال، وقد عرض علي خادم أحد المساجد أن أتولى إمامة هذا المسجد في الخمس الصلوات مع خطبة الجمعة، مقابل مرتب أو مكافأة شهرية، فهل المرتب حلال أم حرام، مع العلم بأنني في حاجة إلى هذا المال ولا أعمل أي عمل آخر، أفتونا أثابكم الله؟
الجواب
أخذ الأجرة على العلم جائز بشروط، فإذا اختلت هذه الشروط فالحكم يدور بين الحرمة والكراهة.
الشرط الأول: ألا يكون عندك ما يغنيك، وقد تحقق هذا الشرط فيك، أن تكون فقيرًا وفي حاجة شديدة إلى المال، وإذا كان عندك ما يغنيك فيحرم أو يكره لك أخذ الأجرة على قال الله وقال رسوله.
الشرط الثاني: أن يكون أخذك لهذه الأجرة بنية التفرغ لتعليم الناس، وإخراجهم من ظلمات الجهالة إلى دين الله، لا شك أنك لا تأخذ هذه الأجرة مقابل العلم أو ثمنًا للعلم؛ لأن العلم أعظم من كل ثمن، وإنما تأخذ الأجرة؛ لأنك حبست نفسك على تعليم الناس، ولولا ذلك لسلكت الأرض يمينًا ويسارًا لتحصيل معاشك.
الشرط الثالث: أن يتعين عليك هذا العلم، بحيث يكون في حقك واجبًا لا مهرب منه، إذا لم تقم به أنت لا يقوم به أحد غيرك، وبالتالي يأثم الجميع، أضرب لذلك مثلًا: هب أنك في قرية أو في نجع، وهذا المكان بعيد عن أهل العلم وليس فيه إلا أنت مؤهل لأن تعلم الناس الكتاب والسنة، وأن تعلمهم أمور دينهم، وأن تفتيهم فيما ينزل بهم، فإنك كل يوم يأتيك عشرات: الذي طلق، والذي تزوج، والذي ضربه، والذي خبطه، فهؤلاء الناس يريدون من يفهمهم ويعلمهم ويوعيهم، فإذا قلت: لا، أنا ليس لي علاقة بكم، أنا صحيح رجل عالم، ولكن ليس لي علاقة بكم؛ لأنني مشغول بمعاشي، أنا أخرج الصبح وأرجع نصف الليل، فليس عندي استعداد أن يأتي شخص بعد نصف الليل ويقول: والله إنني طلقت أنا تزوجت أنا قتلت أنا عملت، لكن اذهبوا إلى غيري فليس لي دخل في هذا، نقول: لا، واجب على أهل القرية أن ينفقوا على هذا العالم، وأن يفرغوه تمامًا لهذه الأمة العظيمة، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة:١٢٢]، ففي هذه الحالة لو أن هذا العالم منعته ظروفه المعيشية من أن يتصدر لتعليم الناس ويفتي؛ فله أن يقول لأهل القرية: أنفقوا علي وعلى أولادي قدر الكفاف، وقدر الحاجة وقدر الضرورة.
الشرط الرابع: ألا يشترط أجرًا معينًا لهذا العلم.
وبالمناسبة أذكر من حوالي عشر سنوات أو أقل أن شخصًا جاء ليؤم قومًا في أحد المساجد، فلما انتهى الشهر انتظر يريد نوالًا وأجرة من الناس على إمامته فلم يعطه أحد، وفي الأسبوع الثاني جاء إلى المسجد فلم يصعد على المنبر يوم الجمعة، فقالوا له: هذه الخمسين جنيهًا أجرة الشهر الماضي، والخمسين جنيهًا أجرة هذا الشهر سنجمعها لك فيما بعد، فقال: لن أصعد إلا بمائة جنيه، فقالوا له: اصعد ونحن نعطيك، قال: أبدًا ادفعوا المائة أولًا، فما عملتم بي قبل ذلك كفيل بأنني أخشى أنني أهضم في كل مرة، والله العظيم لن أصعد المنبر حتى تدفعوا المائة جنيه.
أقول: لو لم يكن هذا حرامًا فهو من أعظم الأمور المخلة بالمروءة، كان عليه أن يصعد المنبر ويخطب ولا يشترط مبلغًا معينًا، بدلًا من أن يضيع صلاة الجمعة على الناس.
إذًا: هذا الفعل وإن لم يكن حرامًا فهو من أعظم الأمور خسة وإخلالًا بالمروءة.
أدلة أخذ الأجرة على التعليم أو على التفرغ للولايات العامة: الدليل الأول: أن أبا بكر الصديق ﵁ هو أول خليفة للمؤمنين في الإسلام، كان يأخذ على الخلافة -وهي أعظم الأمور العامة في الإسلام- أجرًا من بيت المال، وكان يعمل بالتجارة في زمن النبوة وقبل زمن البعثة، فلما تولى الخلافة اقتطعوا له مبلغًا من بيت المال، وذلك عندما لقيه عمر بن الخطاب في الطريق فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ قال: إلى السوق لأكتسب، قال: ألا تشغلك الإمارة والخلافة عن هذا؟ قال: وهل أضيع أولادي؟ قال: إنا سنجعل لك ثلاثمائة درهم من بيت المال، قال أبو بكر: لا تكفيني، وانتبه إلى قوله: لا تكفيني، هو لم يقل: لا تغنيني، يعني: هو يريد أن يأكل الكفاف، قال: لا تكفيني، وأنتم تعلمون أن أبا بكر الذي يقول هذا الكلام هو الذي قدم جميع ماله لله ﷿ ولرسوله ﵊، لكنه في موقف الضياع لا يضيع أولاده؛ لأن النبي ﵊ يقول: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) فإعالة هؤلاء في حق أبي بكر واجبة، فلم يتحرج أبو بكر أو يخزى أن يقول مثلًا: ثلاثمائة لا تكفيني؛ لأنه يعلم أنه سوف يضيع أولاده.
إذًا: ما الفرق بين أبي بكر الصديق ﵁ الذي يأخذ هذا الراتب من بيت المال؛ ليطعم به هو وأهل بيته، وبين هذا الذي يعلم الناس ويلقي لهم دروسًا، ويخطب بهم الجمعات، وي
12 / 10